أكّدت اللجنة الوزارية للفتوى أنّ “مَن أخرج زكاة الفطر من بداية شهر رمضان، فإنّ زكاته شرعية صحيحة لا إشكال فيها”، لأنّه “اعتمد في ذلك على رأي هيئة فقهية معتمدة، استندت في فتواها إلى أدلة واعتبارات شرعية”. وانتقدت لجنة الفتوى التابعة لوزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف، في بيان توضيحي حول حكم تعجيل زكاة الفطر، تلقّت “الخبر” نسخة منه، أوّل أمس، تجرؤ “أحد المتحدثين في بعض وسائل الإعلام من مخالفة فتوى اللجنة الوزارية”، معتبرة أنّه “لا يُلْتَفَتُ إليه، لأنّه غيرُ مُؤَسَّس، ويفتقد لأبجديات التأصيل الفقهي”. وكانت لجنة الفتوى التابعة لوزارة الشّؤون الدّينية قد أفتت في بيانها رقم 12، بجواز تعجيل إخراج زكاة الفطر من بداية شهر رمضان الفضيل، بسبب الظروف الاستثنائية المتعلقة بوباء كورونا المستجد. وذَكّرَت اللجنة المستعجلين في الفتوى المتجرئين عليها “أن يتّقوا الله تعالى فيما يقولون، وأن لا يتسبّبوا في التّشويش على النّاس في دينهم، وليعتبروا بما قرّره كبار الأئمة من أنّ “العلم هو الرّخصة من ثقة، وأمّا التّشديد فيحسنه كلّ أحد”، وأن يتحلَّوْا بما يجب من حسن الظنِّ في المؤسسات الّتي انتُدِبَت لهذا الشّأن”. وأوضحت اللجنة الوزارية للفتوى، أنّ “مَن قال بعدم إجزاء زكاة الفطر في هذه الحالة، فقد خالف قواعدَ أصول الشّريعة المعروفة في باب الاجتهاد والتّقليد والفتوى”. وأفادت اللجنة أنّه “إذا كان الأصل في زكاة الفطر أنّها تُخرَجَ صبيحة يوم العيد قبل الصّلاة، لمَا ثبت “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ” رواه البخاري ومسلم، فإنّ للفقهاء تفصيلًا، حيث ذهبَ المالكية والحنابلة إلى جوازِ تعجيلها بيوم أو يومين. وذهب الحنفية إلى جواز تعجيلها مطلقًا، وألحقوها بجواز تعجيل زكاة المال، قال الإمام الكاساني في بدائع الصّنائع: “روى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يجوز التّعجيل سنة وسنتين، وعن خلف بن أيّوب أنّه يجوز تعجيلها إذا دخل رمضان ولا يجوز قبله”... ثمّ قال: والصّحيح أنّه يجوز التّعجيل مطلقًا، وذكر السنة والسنتين، في رواية الحسن ليس على التّقدير بل هو بيان لاستكثار المدّة..، ووجهه أنّ الوجوب إن لم يثبت فقد وجد سبب الوجوب وهو رأس يموّنه ويلي عليه، والتّعجيل بعد وجود السّبب جائز كتعجيل الزّكاة، والعشور وكفارة القتل). وذهب الشافعية إلى جواز إخراجها من أوّل رمضان، قال الإمام النوويُّ في المجموع: (ويجوز تقديم الفطرة من أوَّلِ رمضان، لأنّها تجب بسببين بصوم رمضان، والفطر منه، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمها على الآخر، كزكاة المال بعد ملك النّصاب، وقبل الحول). كما ذهب بعض الحنابلة إلى جوازِ تعجيلها ابتداءً من منتصف شهر رمضان، قال ابن قدامة في المغني: (وقال بعض أصحابنا: يجوز تعجيلها من بعد نصفِ الشَّهرِ، كما يجوز تعجيل أذان الفجر، والدّفع من مزدلفة بعد نصف اللّيل). وأكّدت لجنة الفتوى أنّ “الأصل المعتمد في القول بجواز التعجيل”، موضّحة أنّ “مراعاة مذهب الحنفية والشافعية، ولا يخفى على مَن له دراية بالفقه وأصوله أنّ مراعاة الخلاف من أهمّ الأصول الّتي يُستَنَد إليها في الاجتهاد والفتوى، وهي من محاسن المذهب المالكي، وقال به معظم المجتهدين في كلّ أبواب الفقه الإسلامي”، وأضافت “ومعنى مراعاة الفتوى (الاعتداد بالرأي المخالف لمسوغ)، وذلك بأن يأخذَ الفقيه برأي مذهب آخر في مسألة معيّنة، لِمُسوِّغٍ شرعي، وهو إمّا التّيسير ورفع والحرج، وإمّا الاحتياط”. وأضافت “وقد اعتدَّ أعضاء اللجنة في هذه المسألة برأي الحنفية والشافعية، ومُسَوِّغُ ذلك هو مبدأ التّيسير ورفع الحرج، الّذي يُعتبَر أصلًا كبيرًا في الشّريعة الإسلامية، لقوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } البقرة:185”. وأشارت “ولا يخفى ما يحقّقه تعجيل زكاة الفطر من التّيسير ورفع الحرج في هذا الظرف الاستثنائي، الّذي يتطلّب تفعيل كلّ عناصر منظومة التّكافل الاجتماعي، ومنها زكاة الفطر”، وتابعت “ومعلوم أنّ مشروعية الزّكاة مبنية على الرِّفق والمواساة، كما بيّن العلماء المحققون”. وقالت اللّجنة “من المبادئ المقرّرة في علم أصول الفقه، في مباحث الاجتهاد والفتوى أنّ العاميَّ في الفقه مذهبُه مذهبُ مفتيه، ويكفيه أن يرجع إلى قول المفتي”، مشيرة إلى أنّ السؤال حول تعجيل زكاة الفطر “طُرِح على اللجنة الوزارية للفتوى، المشكلة من ثلة من الأساتذة والعلماء والشّيوخ المعتبرين، وأفتت بجواز تعجيل زكاة الفطر من بداية شهر رمضان، على غرار ما ذهبت إليه مؤسسات فقهية أخرى مثل دار الإفتاء وهيئة كبار العلماء في جمهورية مصر العربية، مؤكّدة “وهذا يكفي في إجزاء زكاة الفطر وبراءة ذمة من أخرجها”. ولفت بيان لجنة الفتوى إلى أنّ المحققين من علماء الشّريعة اتّفقوا على أنّه “لا إنكار في مسائل الخلاف”، وأنّ “الاختلاف بهذا الاعتبار من كمال الشّريعة وشمولها، لمَا في ذلك من التوسعة على العباد والرّحمة بهم”، وأضافت “قد جرت سُنّة أهل العلم من الصّحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ومن جاء بعدهم، أنّه لا ينكر بعضهم على بعض في مسائل الاجتهاد إذا صدر من أهله في محله، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تذكر، ولا تخفى على من له أدنى اطلاع على أحكام الشّريعة الإسلامية”. وتساءلت اللجنة الوزارية للفتوى “إذا كان اختيار جواز تعجيل الزّكاة في هذه الظروف -على سبيل الاستثناء- مبنيًا على ما هو معتمد في مذهبي السادة الحنفية والشافعية، فإنّه لا يصحّ لأحد أن يقول ببطلانِ تصرّفٍ قَالَ بهِ مذهبان من أكبر المذاهب المعتمدة” وتابعت “ومراعاة المجتهدين للمذاهب الفقهية لا يتنافى مع احترام المرجعية الدّينية، الّتي من أصولها مراعاة اختيارات الفقهاء المعتبرين في الوطن”. ودعت المواطنين والمواطنات إلى “أن يأخذوا أحكام دينهم من المؤسسات والهيئات الرسمية المؤتمنة، كلجنة الفتوى، والمجالس العلمية في الولايات، والعلماء والأئمة المشهود لهم”، مشدّدة على أنّ “هذا العلم دِينٌ، فلننظر عمّن نأخذ ديننا”.