فلسطين تطالب الأمم المتحدة بالتحرك لوقف الإبادة الصهيونية في غزة    كأس الجزائر : فريق شباب بلوزداد يكمل المربع الذهبي بإقصاء مولودية بجاية    مسابقة تاج القرآن الكريم: اختتام الطبعة ال14 بتتويج الفائزين    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    حشيشي يتفقد الوحدات الإنتاجية    وزارة التربية تتحرّك..    نائب قنصل المغرب بوهران غير مرغوب فيه    منظمات حقوقية تندد بكافة أشكال التضييق    حملة تحريض منظّمة ضد المقاومة في غزّة..    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    تنظيم حفل ختان جماعي    الشرطة تُعزّز تواجدها    توقيع اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    إطلاق أول ناد يهتم بصحة الشباب ومحاربة المخدرات    دور أساسي للتربية الدينية في إعادة إدماج المحبوسين    خالدي وبن معزوز يمنحان تأهلا سهلا ل"سوسطارة"    إبراز دور القيم المهنية للصحافة في الدفاع عن الوطن    تواصل العدوان الصهيوني على جنين وطولكرم ومخيم نور الشمس    حلويات قسنطينية تروي قصة تراث وعزيمة    تخفيضات تصل إلى 50 ٪ في أسعار الملابس    تسويق 238 ألف كيلوغرام من اللحوم المستوردة    مخزون كبير في المواد الغذائية    مشروع "بلدنا الجزائر" يدخل مرحلة التنفيذ    صور من الغث والسمين    عمق العلاقات الزوجية وصراعاتها في ظل ضغوط المجتمع    تتويج فريق القناة السادسة بالطبعة الرابعة    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    إنفانتينو يعزّي في وفاة مناد    تكريم خطيب المحروسة والواعظة الصغيرة    بلمهدي يستقبل المتوّجين    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    إرث جمال مناد سيظل خالدا في الذاكرة    بوغالي يعزي في وفاة الفنان القدير حمزة فيغولي    سوناطراك: حشيشي يتفقد الوحدات الانتاجية لمصفاة الجزائر العاصمة    إجتماع تنسيقي بين وزارة الفلاحة والمحافظة السامية للرقمنة لتسريع وتيرة رقمنة القطاع الفلاحي    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال هذا السبت    مزيان: تنظيم لقاء مرتقب لمناقشة القيم المهنية للصحافة    وضع حد لأربع شبكات إجرامية تحترف سرقة المركبات بالعاصمة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    شراء ملابس العيد من المتاجر الإلكترونية: راحة و وفرة في العصر الرقمي    ذكرى يوم الأرض: الفلسطينيون يتشبثون بأرضهم أكثر من أي وقت مضى رغم استمرار حرب الإبادة الصهيونية    كرة القدم: الممثل الاقليمي للقسم التقني على مستوى الفيفا في زيارة عمل بالجزائر    في يوم الأرض.. الاحتلال الصهيوني يستولي على 46 ألف دونم في الضفة الغربية سنة 2024    مركز التكفل النفسي الاجتماعي ببن طلحة: إفطار جماعي وتقديم ملابس عيد الفطر لأطفال يتامى ومعوزين    اليوم العالمي للمسرح: المسرح الوطني الجزائري يحتفي بمسيرة ثلة من المسرحيين الجزائريين    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    اختتام "ليالي رمضان" بوهران: وصلات من المديح الأندلسي والإنشاد تمتع الجمهور العريض    هذا موعد ترقّب هلال العيد    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    العمل هو "تكريس لمقاربة تعتمدها الوزارة تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    









الوصول إلى الحضيض لا يعني النّهاية.. وقد يكون بداية الإصلاح؟!
نشر في الخبر يوم 04 - 11 - 2020

يقول الإمام العلامة محمد البشير الإبراهيميُّ رحمه الله: “... أن القافلة الإنسانية مازالت منذ آدم تتخبّط في ظلمات من الجهل والشرّ والفوضى، تسير فلا تسير إلّا إلى الهلاك، وتقيم فلا تقيم إلّا على الضيم، وطالما ارتفعت أصوات الحقّ في أطرافها من المرسلين والحكماء، فضاعت تلك الأصوات بين غوغاء الباطل. أعضلت أمراضها، وعجز أطبّاؤها، واستفحل الشرّ بين أفرادها، وتخاذل العقل أمام الوهْم، وتهافتت الحقائق أمام الشبَه، وطغت الحيوانية بما فيها من تكالب ونَهَم وغرائز سافلة، فجاء العدوان والظلم والتناحر والقتال والمطامع. فكانت على كلّ ذلك في أشدّ الحاجة إلى هادٍ يهديها إلى سبيل الحقّ، وإلى حام يحميها من عدوان الباطل، وكان من قدر الله أن يكون ذلك الهادي محمدًا صلى الله عليه وسلم ودينه الإسلام، وكانت ليلة الميلاد بذلك غرّة في الليالي الدُّهم”.
هذا الوصف الذي يقدّمه الإمام الإبراهيميّ رحمه الله لحال البشرية قبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته، ولمدى تعطّشها للهدى والحقّ يصدق - كما هو ظاهر- على الوضع التي تعيشه البشرية في وقتها الراهن، مع اختلاف المظاهر واختلاف المستوى التّقني.
والحق أنّ ذكرى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم مليئةٌ بالحكم، مشحونة بالمعاني والأسرار، ومن المعاني الجليلة التي تغرسها هذه الذّكرى فينا، وتنبّهنا إليها، هذه القضية الخطيرة التي تكلّم عليها الإمام الإبراهيميّ، وهي الحضيض الذي وصلت إليه البشرية قبيل ميلاد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبعثته، والذي وصفه النّبي صلى الله عليه وسلم بأبلغ وصف وأتمه، فقال: “.. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربَهم وعجمَهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب” رواه مسلم. فقوله: “فمقتهم” المقت أشدّ البغض، أي: أبغضهم أشدّ البغض؛ لسوء اعتقادهم، وخبث صنيعهم. والمراد بهذا المقت والنّظر ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: “إلّا بقايا من أهل الكتاب” المراد بهم الباقون على التّمسّك بدينهم الحقّ من أتباع السيد المسيح عليه السلام، من غير تبديل ولا تحريف.
وهذا الحكم عام في الناس جميعا، وفي الميادين والمجالات كلّها، ويفهم منه أنّ البشرية قد وصلت الحضيض قبل البعثة النبوية في عقائدها وأديانها، وفي سياستها واقتصادها، وفي اجتماعها وإنسانيتها، فاستحقّت وصف الجاهلية، التي هي الحضيض ذاته، وإلّا أيّ حضيض يمكن أن يهوي إليه العقل البشري بعد الجاهلية؟! وهو في جاهليته يرضى أن يكون الإله من حجر، ولا يرضى أن يكون الرّسول من بشر؟! {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
ثم إنّ القانون الرّباني الذي تسير عليه البشرية هي قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فمسيرة البشرية قديما وحديثا خاضعة لقانون التداول هذا، والذي يقضي فيما يقضي به: أنّ حال البشر -مسلِمهم وكافرهم- في صعود وهبوط، صعودٌ يبلغ القمة، ثمّ يتلوه هبوط يصل إلى الحضيض؛ ليعقبه صعود، وهكذا دواليك. وقد وصلت البشرية اليوم بما فيها الأمة الإسلامية إلى الحضيض، فلم تنتفع بالتّطور العلميّ الرّهيب الذي بلغته، بل هي تفقد إنسانيتها شيئا فشيئا، والعالم صار غابة كبيرة تتسلط فيها الدول العظمى على باقي الدول، وتستغلها أبشع استغلال، وبلغ اليأس من الناس مبلغا كبيرا، حتى المسلمون المؤمنون بالله ووعده أصابهم اليأس والقنوط...
وهنا تأتي ذكرى المولد لتعيد نشر الأمل واليقين بالله عزّ شأنه، فقد ولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واقع مظلم شديد الانحراف، وبدأ الدعوة والإصلاح وحيدا منفردا، وانتقل إلى الرفيق الأعلى وقد انطلق النّور الذي ولد معه ليبلغ أقاصي الدنيا. والدّين الذي جاء به ما زال محفوظا غظًّا طريًّا كيوم أنزل، وما زال تبشيره لنا محفوظا ثابتا صادقا، ومن ذلك قوله: “بَشِّرْ هذه الأُمّة بالسَّناءِ والرِّفعَة، والدِّين، والنّصرِ، والتّمكينِ في الأرضِ” رواه أحمد. فإذا كان المؤمنون الصادقون في محبتهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفوتون هذه المناسبة الجليلة والذكرى العزيزة للتذكير بفضل سيدنا وقدوتنا ومولانا، والتذكير بسنته وهديه، والتذكير بحقوقه وواجباتنا تجاهه، فلا بدّ أن يستغلوا هذه الذكرى العطرة لبثّ الأمل ومحاربة اليأس، ونشر البشرى ومحاربة القنوط. قال الحقّ جلّ شأنه: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}، يقول سيد رحمه الله: “في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب، ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل، ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخّرة.. في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً: {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.. تلك سنة الله في الدعوات، لا بدّ من الشّدائد، ولا بدّ من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة، ثمّ يجيء النّصر بعد اليأس من كلّ أسبابه الظّاهرة التي يتعلق بها الناس، يجيء النصر من عند الله.. ذلك كي لا يكون النصر رخيصاً فتكون الدعوات هزلاً، فلو كان النصر رخيصاً لقام في كلّ يوم دعيٌّ بدعوة لا تكلفه شيئاً، أو تكلفه القليل. ودعوات الحقّ لا يجوز أن تكون عبثاً ولا لعباً. فإنّما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج، ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء”. هذا درس واحد من دروس المولد يجب أن يحفظ. وينتبه إليه....
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.