يُحتفل في 18 من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 اعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لها ولكافة المنظمات الدولية المنضوية تحتها. لقد ارتبطت اللغة العربية بشعائر الإسلام وعبادته وغدت جزءًا أساسيًّا من لغة المسلم اليومية وفي حياة الأمة الإسلامية، لأنها ملازمة للفرائض الإسلامية، فقد أوجب الإسلام أن تكون إقامة الصلاة وتلاوة القرآن وترتيله والأذان ومناسك الحج والدعاء وسائر الشعائر الدينية، ونحو ذلك باللغة العربية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في أهمية اللغة العربية: “اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدِّين تأثيرًا قويًّا بيّنًا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدّين والخُلق”. العربية الفصحى هي وعاء الإسلام، ومستودع ثقافته، ومادة أكثر ما كُتب عنه على مدى القرون. ويجب أن نعترف بأن لغتنا العربية هذه الأيام تعاني في المجتمعات العربية، تعاني مشاكل عديدة من قلّة الاهتمام بها وعدم إتقانها، إضافة إلى التقصير الكبير في نشرها وتعميمها على جميع المصالح والمؤسسات الإدارية والتكنولوجية والتواصلية، أو نشرها بين شعوب العالم المختلفة. لغتنا العربية هي هويتنا التي يجب المحافظة عليها، وتعظم المسؤولية أمام من ولّاهم الله تعالى زمام الأمور والعلماء والأدباء ووسائل الاتصال وذلك بالاعتزاز بها، ونشر دررها وأدبها وتعميم التعامل بها. يقول العقاد رحمه الله: “وستبقى العربية ما دام لها أنصار يريدون لها البقاء..”، ولكن كثيرا من الناس -مع الأسف- ابتعدوا عن هذه اللغة الجليلة، وربما فضّلوا عليها غيرها. يجب بذل الجهد في تقوية اللغة العربية بين أهلها الذين أهملوها مع الأسف، ثم نشرها بين المسلمين الذين لا يعرفونها، فهذا من خير ما يُعينهم على فهم أفضل للقرآن والسنة والعلوم الإسلامية. وقد يسأل سائل ويقول: كيف نعيد للعربية مكانتها وعزّها ومجدها؟ حقيقة المهمة ليست بالسهلة، لكن بجهود قليلة من الجميع يمكننا ردّ الاعتبار للغة القرآن. وتبدأ المسؤولية بالبيت والأسرة التي تعلّم أبناءها قراءة وحفظ القرآن الكريم وتربّيهم على القراءة المستمرة في جميع مجالات الأدب والفنون المختلفة، ثم المدرسة فعليها تقع المسؤولية العظمى في ترسيخ وتأسيس حبّ اللغة العربية وإتقانها بين الناشئة، وكذلك المسجد ودور تحفيظ القرآن، وأن يوجّه الخطيب والواعظ الناس إلى اللغة العربية والتمسك بها، وكذلك جمعيات ومنظمات المجتمع المدني والكشافة ووسائل الاتصال المختلفة يقع عليها عبء تعميم ونشر استخدام اللغة العربية وعدم التقاعس في ذلك. ويا حبذا لو تقام المسابقات الشعرية والأدبية بين الأطفال في المدارس بمستوياتها المختلفة، وتقديم الجوائز والحوافز لمَن يقدّم الخدمات الجليلة في نشر وتعميم الدعوة إلى التمسك بلغة القرآن. لقد عمِل الاستعمار (الاستدمار) على تشويه صورة استعمال اللغة العربية في مختلف المجالات، وعلى الخصوص في مجال الإعلام والصحافة بصفتها الواجهة المرئية التي تعكس أوضاعَ الأمّة للناظر إليها من الخارج. لكن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين آمنت أن لا سبيل إلى نهضة الأمّة واسترداد عافيتها ودورها الرسالي إلا إذا بوّأت اللغة العربية مكانتها السامقة في سُلّم الأولويات المعرفية في التربية والتعليم والإعلام والثقافة والإدارة والشؤون الدولية، حيث اهتمت الجمعية بمسألة اللغة أهمية كبيرة، فعملت على تثبيتها والذود عنها، ونشرها وترقيتها واستخدامها في كلّ شؤونها، وقد تجلّى هذا أكثر ما تجلّى في وسائل إعلامها، التي كانت كلّه ناطقة بلغة الضاد، ومما كتبه الإبراهيمي في مجلة الشهاب: “إنّ جمعيتكم هذه أُسّست لغايتين شريفتين، لهما في قلب كلِّ عربي مسلم بهذا الوطن مكانة لا تساويهما مكانة، وهما: إحياء مجد الدّين الإسلامي وإحياء مجد اللغة العربية”، ويتابع الشيخ شارحا الغاية الثانية قائلا: “وأمّا إحياء مجد اللسان العربي، فلأنّه لسان هذا الدّين والمترجِم عن أسراره ومكنوناته، لأنّه لسان القرآن الذي هو مستودع الهداية الإلهية العامّة للبشر كلّهم، لأنّه لسان محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم صفوة الله من خلقه، والمثل الأعلى لهذا النوع الإنسانيِ الّذي هو أشرف مخلوقات الله، ولأنّه لسان تاريخ هذا الدّين ومُجلّي مواقع العبر منه، ولأنّه -قبل ذلك وبعد ذلك- لسان أمّة شغلت حيِّزا من التاريخ بفطرتها وآدابها وأخلاقها وحكمها وأطوارها..”. ونختم هذا المقال بهذا النص لعالم جزائري يوصينا ويحفزنا ويذكرنا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه لغتنا العربية الجميلة، يقول العلامة الثعالبي وهو يشيّد بحبّ العربية ويحثّ على صرف الهمّة إلى تعلّمها: “من أحبّ الله تعالى أحبّ رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن أحبّ رسوله العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ العربية الّتي نزل بها أفضل الكتب.. ومن أحبّ العربية عني بها وثابر عليها وصرف همّته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان اهتمّ بها كاهتمام تحصيل زاده لنفسه”. وقبل الختام، نودّ التنبيه إلى أن دعوتنا للإقبال على تعلّم ونشر والحديث والاعتزاز باللغة العربية لا يعني أنّنا لا نتعلّم اللغات الأجنبية، بل لابدّ أن نتقن لغتنا الأم ثمّ لا مانع -بل من الواجب- تعلّم اللغات الأخرى لأنّ العلوم المختلفة والتكنولوجيا المتطورة أصبحت لا تدار ولا تستحصل إلّا باللغة الأجنبية (الإنجليزية بالدرجة الأولى). [email protected]