إنّ ما يربط الجزائربفلسطين، والجزائريينبالفلسطينيين عميق ومتين إلى درجة التّمازج العاطفيّ التّام، الّذي صاغ له الرئيس بومدين - رحمه الله - شعارًا خالدًا: الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة. ولا شكّ أنّ عامل الدّين والتّدين هو العامل الحاسم في هذا السياق، بيد أنّ تشابه التجربة الاستعمارية الّتي احترق بها الشعبان كان لها أثرها في تأجيج عواطف التّقارب والمحبّة بين الشعبين الشّقيقين. نعم إنّ ارتباط المسلم بفلسطين قضية عقيدة وإيمان منذ نزل قول الحقّ سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، وقوله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}، وقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، وقوله: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}، وقوله: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}، وقوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}، وهذه الأرض الّتي باركها الله تبارك وتعالى هي أرض الشّام عامة وفلسطين خاصة. وبَرَكتُها: أنّ الله تعالى بعث أكثر الأنبياء منها، وأكثر فيها الخصب والثّمار والأنهار. ومنذ قال النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة والتّسليم: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إلى ثلاثةِ مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرامِ، ومسجدِ الأقصى" رواه البخاري ومسلم. إلى غيرها من النّصوص الّتي وردت في فضل الشّام وفلسطين والمسجد الأقصى، وما كان لمسلم يؤمن بهذه النّصوص أن يطمئن له بال أو يستقرّ على حال وأرض فلسطين والمسجد الأقصى يُدنّسان من طرف قطعان الصّهاينة عبيدِ الأمريكان، ويباعان عَلنًا من طرف خونة العربان.. ومّا زاد العلاقة بين فلسطينوالجزائر وثوقًا وقوّة أنّ الاحتلال الصهيوني الهمجي لفلسطين يشبه الاستدمار الفرنسي الوحشيّ للجزائر شبهًا كبيرًا؛ فكلاهما استعمار استيطاني وجد ليبقى بزعم مجرميه! وكلاهما مبنيٌّ على خرافات من حقّ فرنسابالجزائر بزعم كون الجزائر فرنسية، إلى حقّ الصهاينة في فلسطين بزعم كونها يهودية!، وكلاهما قام على منهجية إجرامية إرهابية عملت على إنهاء وجود الشّعبين، وإعدام وجودهما المعنوي، وإنكار وجودهما التّاريخيّ، وتحريف التاريخ وتبديله.. وكلاهما كان مدعومًا من حلف شمال الأطلسي (nato) وناتجًا عن الثقافة الإمبريالية الغربية. فالاستعمار الفرنسي والاحتلال الصهيوني كلاهما منسجم مع روح الحضارة المادية الغربية المهيمنة العنصرية، وكلاهما وجد من الحَرْكَى والخونة مَن يُقدّم له الخدمات العفنة على حساب وطنه وقومه وشعبه! وكلاهما لا يسمع ولا يخضع إلّا لمنطق القوّة! فالاستعمار الفرنسي أنهته الثورة الجزائرية الفريدة المجيدة، بالدّماء الزكيّات والتّضحيات العظيمات الّتي قدّمها الشعب الجزائري المؤمن، والاحتلال الصهيوني ستُنهيه المقاومة الحرّة المؤمنة الّتي ترابط وتقاوم آلة الإبادة الصهيونية، ومن ورائها العالم أجمع، فقد تكالبت عليها المنظمات الدولية وأغلب حكومات العالم، وانضمت إليها حكومات عربية للأسف الشّديد! ومع هذا ستنتصر بلا شكّ؛ لأنّها تدافع عن قضية عادلة بحكم شرع الله، وبحكم منطق البشر، وبحكم سيرورة التاريخ، وبحكم المواثيق الدولية. لقد بقي الاستدمار الفرنسي في الجزائر أزيد من قرن يعبث ويعربد، فلمّا قال الشعب الجزائري الله أكبر، أمرُك ربّي، قال الرّب سبحانه: أمرُك أمْري. وقد مرّ على وعد بلفور الإرهابي المجرم قرن من الزّمان، فلم يبق إلّا القليل إن شاء الله، فقد بدأت موازين القوّة تتغيّر، وبدأت طريق تحرير فلسطين تتمهّد، ووعد الله جلّ شأنه يستحيل أن يتخلّف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}. * إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة