إلى غاية مساء أمس لم تتأكد المعلومات المتداولة في المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، عن تفاصيل برنامج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، المنتظرة هذا الخميس، ولا عن الوفد "الرسمي" الذي سيرافقه، عدا الحديث عن عدد من الوزراء، وشخصيات و"قيادات" دينية، لعل أكثرها جلبا لاهتمام الرأي العام المحلي، الحاخام الأكبر ليهود فرنسا، حاييم كورسيا. ترفع الدولة الفرنسية صاحبة شعار "حرية، مساواة، أخوة"، الذي يعود إلى زمن الثورة الفرنسية، مثلما تبنت مبدأ اللائكية (العلمانية)، وهي، كما تعلمنا، المبدأ القائم على فصل الحكومة ومؤسساتها والسلطة السياسية عن السلطة الدينية أو الشخصيات الدينية. ولم تتأخر فرنسا الرسمية (مؤسسات، هيئات، منظمات)، كما الأحزاب والجمعيات والشخصيات في التنديد وشجب ورفض كل "تماس" بين أي سلطة أو حكومة ودين تلك الحكومة أو السلطة، لاسيما بالمستعمرات القديمة للجمهورية الفرنسية، "راعية" حقوق الإنسان. إلى هنا الأمر عادي، لكن وجب طرح التساؤل التالي: مادامت فرنسا دولة علمانية "بامتياز"، ما محل مرافقة "زعماء" الدين الفرنسيين للرئيس ماكرون إلى الجزائر في إطار زيارته التي تستغرق 3 أيام، من الإعراب؟ تساؤل بريء طرحه أكثر من متابع لشؤون السياسة والدبلوماسية، وهؤلاء الذين قالوا إن فرنسا الرسمية، وغير الرسمية أيضا، لم ينبس ببنت شفة، ولم يسمع لها أي صوت عندما يتعلق الأمر بالإسلام، و"العداء" الذي يمارسه "ظلاميون" متطرفون في وضح النهار على الإسلام والمسلمين في الأراضي الفرنسية، والإحصائيات الرسمية كشفت عن تزايد حالات الاعتداء على الإسلام والمسلمين، لاسيما بعد "تغوّل" اليمين المتطرف. الرئيس ماكرون الذي شكّك في أكتوبر 2021 في "وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي"، وتحدث أيضا عن "استغلال النظام الجزائري لمسألة الذاكرة"، سيكون مرفقا في زيارته للجزائر بالحاخام الأكبر ليهود فرنسا، حاييم كورسيا، وأيضا شخصية رسمية من الكنيسة، إلى جانب عميد مسجد باريس، سيرافع، بلا أدنى شك، عن مبادئ فرنسا وشعاراتها ذات الصلة بحقوق الإنسان وتعايش الأديان، لكن عليه أيضا أن يقنع الرأي العام الوطني ويبرر تواجد رجال الدين (الإسلام، اليهود والمسيح) في وفده الرسمي الرئاسي. وسيكون الرئيس الفرنسي مرفقا بالحاخام الأكبر ليهود فرنسا، حاييم كورسيا. هذا الأخير، للتذكير فقط، عمل قسيسا يهوديا في الجيش الفرنسي، وكان أيضا مديرا لمدرسة حاخامية، وتم انتخابه في جوان 2014 زعيما للجالية اليهودية في فرنسا. وولد حاييم كورسيا عام 1963 في مدينة ليون الفرنسية لأبوين يهوديين مولودين في الجزائر، والده من مواليد تلمسان، فيما والدته من مواليد وهران. ويشار إلى أنه لم يسبق لزعيم الديانة اليهودية في فرنسا أن زار الجزائر من قبل، وسيكون كورسيا بذلك أول شخصية يهودية بهذا "الوزن" تزور الجزائر ضمن وفد رسمي، بل وفد رئاسي. ووفق ما تسرب عن برنامج زيارة الرئيس الفرنسي، فإن الأخير سيحط رحاله بالباهية وهران، ما يعني أن الفرصة ستكون سانحة لكورسيا حاييم من أجل زيارة قبري والديه. وكانت وسائل إعلام فرنسية كشفت قبل ثلاثة أيام أن الوفد المرافق لإيمانويل ماكرون، سيضم كلا من المؤرخ بنيامين ستورا، والخبير في شؤون العالم العربي جان بيير فيليو، والمختص في التاريخ الإسلامي، جيل كيبيل، وعميد مسجد باريس، شمس الدين حفيز، إلى جانب عدد من وزراء الجهاز التنفيذي. وفيما كثرت التعليقات حول حضور حاخام يهود فرنسا حاييم كورسيا ضمن الوفد الفرنسي الرسمي في سابقة منذ استقلال الجزائر في 1962، على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر للنقاش مبدأ اللائكية الذي ترفعه الدولة الفرنسية والظاهر أنها "تخلت" عنه "مؤقتا"، عندما تعلق الأمر بديانة غير الإسلام، أو "لغاية في نفس يعقوب".