تسعى الجزائر للتوجه إلى خيار اعتماد العملة الرقمية كإحدى الآليات الرامية إلى ترسيخ لا مادية التعاملات وتقليص مساحات التعامل النقدي التقليدي، وقد برز ذلك من خلال إعلان الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، عن الاتجاه نحو اعتماد عملة رقمية وطنية تحت مسمى "الدينار الرقمي الجزائري"، وهي الخطوة التي تستلزم وضع أسس قانونية وتنظيمية وكذا عملية، خاصة أن التوجهات الرامية إلى تشجيع لا مادية التعاملات طرحت من خلال مساعي تعميم الدفع الإلكتروني والصك البنكي أيضا. وقد أشار الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان إلى أن بنك الجزائر، وفي إطار رقمنة المدفوعات، يسير نحو عملة رقمية وطنية، مشيرا إلى أن "الدينار الرقمي الجزائري" سيشكل في نهاية المطاف دعما للشكل المادي للعملة النقدية، ولفت إلى أنه في ظل الأعمال الرقمية ستزداد الحاجة بلا شك إلى تعزيز الأمن ومراقبة أنظمة الدفع، وهي قضايا جديدة يعكف بنك الجزائر على التكفل بها. وتسعى السلطات العمومية، في سياق مساعي عصرنة مهن تسيير البنوك وتكييف القانون مع الإصلاحات التي يراد تطبيقها على النظام المصرفي المالي، إلى إدراج عملة رقمية للبنك المركزي والانفتاح على البنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع وكذلك عمليات الدفع بالعملة الإلكترونية. ويندرج التوجه في إطار إخراج التعاملات النقدية والمالية من دائرتها التقليدية، ومن ثم محاولة تقويض حجم التداول النقدي التقليدي، لاسيما أن ظاهرة تراكم السيولة خارج الدوائر البنكية وخارج الدوائر الرسمية تبقى معتبرة، وقد عجزت الحكومات المتعاقبة منذ سنوات عن ضمان استقطاب جزء معتبر من هذه الكتلة النقدية رغم الإجراءات والتدابير المعتمدة. وقد قدر الوزير الأول في 26 ديسمبر 2022، في مداخلة له في أشغال ملتقى التحديات المستقبلية للبنوك المركزية التي نظمت من قبل البنك المركزي، في احتفالية الذكرى 60 لتأسيس بنك الجزائر، حجم الكتلة النقدية ب22.204 مليار دينار، مقابل 4.7 ملايير دينار في سنة 1964 تاريخ تأسيس بنك الجزائر. وقد كشف بنك الجزائر أن مستوى النقود المتداولة خارج البنوك ارتفع بنسبة 12.93 بالمائة ما بين 2019 و2020، حيث بلغت 6140.7 مليار دينار (حوالي 60 مليار دولار) مقابل 5437.6 مليار دينار نهاية 2019. وأفادت مذكرة بنك الجزائر حول أرقام الحالة النقدية بالجزائر بأن النقود المتداولة خارج البنوك مثلت 34.73 بالمائة من الكتلة النقدية نهاية 2020، مقابل 32.94 بالمائة في نهاية 2019، أي ما يعادل 45.1 مليار دولار.
من النقود التقليدية إلى الرقمية
تتكون النقود القانونية التي يتم إصدارها من طرف بنك الجزائر من النقود الورقية والقطع النقدية وتعتبر من المكونات الأساسية للكتلة النقدية في الجزائر، حيث تعتبر هذه النقود أكثر مكونات الكتلة النقدية سيوله، فقد شكلت حيزا كبيرا من الكتلة النقدية خلال السنوات الأولى من الاستقلال لتترك هذه المكانة لودائع تحت الطلب على خلفية بروز منظومة مصرفية من جهة وتطور المداخيل لدى الأفراد وهي التي تعد أهم مصدر للودائع. ومقارنه بالودائع لأجل تعتبر الودائع تحت الطلب أكثر سيولة نظرا لسرعه تداولها وتحولها إلى النقود القانونية، وعلى الرغم من اتساع نطاق النظام المصرفي والبنكي، إلا أن الكتلة النقدية خارج دائرة البنوك ظلت تتسع خلال العشريتين الماضيتين بالخصوص، إلى حد قدرت بأكثر من ثلث الكتلة والسيولة النقدية التي غالبا ما لا تخضع لقاعدة التدوير في الإطار البنكي والمصرفي. وقد اتخذت السلطات تدابير في السنوات الماضية من أجل احتواء الكتلة النقدية المتداولة خارج البنوك، خاصة في السوق الموازية، على غرار فرض إلزامية الصك والوسائل الكتابية بدل النقود "القطع والأوراق" في بعض المجالات، كآلية جديدة تندرج في إطار مساعي تحقيق الشمول المالي والجبائي، وقد تم اعتماد مثلا بموجب مرسوم تنفيذي رقم 15-153 مؤرخ في 16 جوان 2015 المنشور بالجريدة الرسمية المؤرخة في 22 جوان 2015، إجراء يشير إلى أن أي عملية دفع تتعدى قيمتها سطحا معينا يجب أن تتم بوسائل الدفع الكتابية عن طريق القنوات البنكية والمالية. بالمقابل، تم اعتماد التصريح الضريبي الطوعي مقابل دفع ضريبة مخفضة تقدّر ب7 بالمائة، وكانت الحصيلة ضعيفة، كما تم اللجوء إلى القرض السندي من خلال سندات لمدة ثلاث سنوات بنسبة فائدة 5 بالمائة وسندات لمدة خمس سنوات بمعدل فائدة 5.75 بالمائة، إلا أن الحصيلة كانت متواضعة مع الإقرار بتحصيل نحو 563 مليار دينار. فضلا عن ذلك، من المرتقب أن يحمل قانون القرض والنقد المعدل مستجدات في سياق اعتماد العملة الرقمية، إلى جانب البنوك الرقمية وخدمات الدفع الإلكتروني التي يقدّمها متعاملون خواص. وينتظر أن يكرّس هذا التعديل "رقمنة النشاط المصرفي" في الجزائر" من خلال انفتاحه على البنوك الرقمية ومقدّمي خدمات الدفع الإلكتروني وعمليات الدفع بالعملة الرقمية. في نفس السياق، تقرر تحفيز تبني الصيرفة الإسلامية لاستقطاب شريحة معتبرة من الجزائريين الذين لا يحبذون التعامل بالفائدة. وتعكف السلطات على تعميم استخدام الدفع الإلكتروني على خلفيات تدابير أقرتها قوانين المالية، فضلا عن تعديل قانون القرض والنقد ليستجيب لمتطلبات التحولات، منها إحلال ما يعرف بالنقد الرقمي واعتماد الدينار الرقمي الذي يمثل عملة غير مادية يتم تداولها وتبادلها بشكل رقمي دون استخدام الآليات التقليدية، ويمكن أن تكون لها نفس القيمة الاسمية والقدرة الشرائية التي تحملها العملة المادية دون أن يكون لها وجود مادي، مع إمكانية استخدامها مقابل أي خدمة أو سلعة. وإذا كان الدينار الرقمي هو نسخة من الدينار الورقي أو النقدي لكنه افتراضي، إلا أن تطبيقه سيتطلب آليات وضوابط عديدة سواء لضمان أمن وسلامة التعاملات أو تطوير البدائل الرقمية المرتبطة بأدوات الدفع أيضا، مع الإشارة إلى أن العملة غير المادية التي يتم تداولها وتبادلها دون استخدام السيولة النقدية الورقية والقطع المعدنية تبقى عملة رسمية يصدرها ويضبطها البنك المركزي.