اعتبر الدكتور في الاقتصاد السيد محجوب بدة أن قرار طبع ورقة نقدية من فئة 2000 دينار لا يحل في الجوهر، مشكل نقص السيولة بقدر ما يمكن أن يضخم الكتلة النقدية المتداولة فحسب، حيث يتعين حل المشكل من جذوره، أي امتصاص الكتلة النقدية المتداولة خارج الدائرة الرسمية. وأشار الدكتور في الاقتصاد في تصريح ل''الخبر'' بأن ''المتمعن في قضية نقص السيولة يدرك أن المشكل ليس في العرض، بل في كيفية تسيير الكتلة النقدية التي تقارب 3500 مليار دينار، والتي يمكن أن تفي بالغرض لو كانت متداولة وفق أسس شفافة وواضحة، إلا أن جزءا منها في حدود 1000 مليار دينار على الأقل تبقى خارج الإطار الرسمي بفعل تنامي التعاملات غير الرسمية والموازية. وعليه، يرى الخبير الاقتصادي أن الحل لا يكمن في اللجوء مجددا إلى خيار ''طبع النقود ''، لأن تبعاته على المدى المتوسط والبعيد ستكون سلبية، في غياب المقابل المادي، أي توفير المقابل من إنتاج السلع والخدمات ودعم مستويات الإنتاجية المتواضعة حاليا، فضلا عن إمكانية تسجيل عودة المنحى التضخمي، رغم معرفتنا أن بنك الجزائر يلجأ سنويا إلى إعادة رسكلة وامتصاص جزء من السيولة في حدود 1100 إلى 1200 مليار دينار. وأشار بدة في نفس السياق: ''لاحظنا مثلا أن السيولة البنكية سجلت ارتفاعا محسوسا خلال السنة الماضية وفاقت حتى مستوى عام 2009، وهنالك موارد مالية معتبرة تفوق 1500 مليار دينار غير موظفة عمليا من قبل البنوك والمؤسسات المالية وهي عبارة عن ودائع. وهو ما يؤكد أن المشكل لا يكمن في نقص السيولة التي برزت بالخصوص في بريد الجزائر لاعتبارات ظرفية وعوامل تراكمية ناتجة عن طبيعة البريد الذي لا يعتبر بنكا، وتراجع ضخ السيولة مع تسجيل سحب معتبر للسيولة دون عودتها للدائرة الرسمية، خاصة مع عودة الحديث عن فرض استخدام الصك في كافة التعاملات التي تفوق 500 ألف دينار. فالمؤشرات تدل على أن حوالي 60 إلى 70 بالمائة من الموارد المالية التي كانت تسحب لم تكن تعود للدائرة الرسمية. وهو ما يفسر النقص المعتبر للسيولة، يضاف إلى ذلك انعدام وسائل الدفع وسيادة التعامل نقدا سواء على المستوى الرسمي من هيئات ومؤسسات أو مستوى الشركات والمؤسسات، مما يؤثر أصلا على التعاملات المالية المبنية على وسائل الدفع الحديثة، حتى في البلدان المجاورة. مضيفا ''يجب أن ندرك أن تسديد مؤخرات الأجور والعلاوات والأجور والمعاشات في وقت واحد ضاعف في 2010 بالخصوص من الكتلة النقدية التي خرجت من مؤسسة البريد أولا ثم البنوك بنسبة تراوحت ما بين 20 إلى 30 بالمائة. وبالتالي، فإن الأزمة كانت متوقعة، خاصة وأن الطلب ارتفع بصورة مضاعفة مقابل استقرار نسبي للعرض. ويرى الخبير أنه طالما ظل القطاع الموازي يمثل نصيبا معتبرا من التعاملات التجارية والاقتصادية، وطالما بقي التعامل بالنقد، فإن مشكل السيولة سيبقى مطروحا بحدة ولا يمكن لطبع أوراق نقدية جديدة أن يحل المشكل القائم، لأن المسألة غير مرتبطة بتوفير مزيد من النقود بقدر ما يتعلق الأمر بتأطير وتنظيم السوق والاقتصاد الجزائري وإدماج السوق الموازية بوسائل تحفيزية جبائية بالخصوص وتطوير وسائل الدفع بما يكفل التخلي تدريجيا عن استخدام النقود. واستطرد الخبير ''من الناحية الاقتصادية، فإن خيار طبع النقود يعني أيضا بالضرورة خفض قيمة صرف العملة، أي الدينار وتردي قيمتها الاسمية في السوق، مقابل انعكاسات سلبية في مجال التضخم وفقدان العملة لقدرتها الشرائية. وهذه الحالات عاشتها بلدان عديدة خلال نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات منها تركيا وبولونيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية. ويضاف إلى ذلك قلة التغطية البنكية التي تساهم في لجوء جزء من المدّخرين إلى الاكتناز السلبي وسيادة ثقافة السحب الكلي للأجور من قبل العمال، وتراجع نسب الادخار، لقلة الثقة في النظام المصرفي والمالي.