تتسارع الأحداث المأساوية في منطقة الساحل الصحراوي، وبالتحديد في الحلقة الجديدة من مسلسل عدم الاستقرار والتدخل العسكري الأجنبي في النيجر، على خلفية مسعى فرنسي محموم نحو إذكاء نيران انعدام الأمن في المنطقة الملتهبة بالأساس منذ عقود، بفعل سياساتها التي غذت مع مرور السنوات الشعور بالكراهية تجاه كل ما هو فرنسي. ضمن هذا السياق، علمت "الخبر" أمس أن السلطات الجزائرية رفضت طلبا تقدمت به نظيرتها الفرنسية بالسماح لطائراتها العسكرية باستعمال المجال الجوي الجزائري في التدخل العسكري المحتمل في النيجر، على ضوء قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس" في قادم الأيام ما لم يرضخ قادة الانقلاب العسكري في النيجر للضغوط الداعية إلى الانسحاب من المشهد النيجري، وإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى منصبه بصفته رئيسا منتخبا ديمقراطيا. بالمقابل، أكدت مصادر "الخبر" أنه خلافا للموقف الجزائري النابع من روح المسؤولية والتضامن مع شعوب المنطقة، والحرص على عدم إزهاق أرواح السكان الأبرياء وتشريدهم ومنع حدوث حمام الدم في النيجر وباقي دول الجوار في الساحل الصحراوي، فإن السلطات في المملكة المغربية سارعت إلى إعلان موافقتها على طلب فرنسي مماثل وتمكين سلاح الجو الفرنسي من استعمال المجال الجوي المغربي من أجل التدخل عسكريا لإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم للحكم، دون الأخذ في الحسبان التبعات الخطيرة لمثل هذه القرارات التي تنم عن حقد دفين لشعوب المنطقة التي اختارت الانتفاضة ضد الاحتلال المقنع والنهب الممنهج لثرواتهم الطبيعية، والنوايا المبيتة لتحقيق أطماع توسعية مفضوحة تكرس الانتهاك الصارخ للأعراف والمواثيق الدولية، مثلما هو حاصل مع استمرار احتلال الصحراء الغربية. وتأتي الخطوة الفرنسية لتؤكد منطقا استعماريا معروفا يتجاهل مواقف شعوب المنطقة وصواب مقاربات الدول المحورية فيها، وعلى رأسها الجزائر التي تتقاسم مع النيجر وبقية جيرانه أواصر الأخوة والتضامن والمصير المشترك، باعتبار أن استمرار حالة التوتر الأمني في عدد من دول المنطقة (ليبيا ومالي وبوركينافاسو والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى) لن يسهم في تخليص شعوبها من التداعيات السلبية على الاستقرار والأمن الجهوي والدولي. ويحدث هذا في وقت لم تتوقف الجزائر عن دعوة الأطراف المتنازعة في النيجر إلى البحث عن حلول سلمية للنزاع، وإطفاء فتيل الفتنة وتفويت الفرصة على المتربصين بالمنطقة وأجنداتهم التدميرية، حيث سارعت الجزائر إلى التنديد بالتغيير غير السلمي للسلطة، وطالبت منفذي الانقلاب ضد الرئيس المعزول محمد بازوم بالعودة الفورية للحياة الدستورية، وتمكين بازوم من ممارسة مهامه في إطار الدستور بصفته الرئيس المنتخب ديمقراطيا من طرف المواطنين النيجريين. وانسجمت مع الموقف الجزائري مواقف عواصم الدول الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدةالأمريكية اللتين طالبتا بالعودة سريعا إلى الشرعية الدستورية واستبعاد فكرة التدخل العسكري، في وقت أعلن الانقلابيون عن خريطة طريق لفترة انتقالية وشكلوا حكومة جديدة تضطلع بإدارة شؤون البلاد مؤقتا إلى غاية إجراء انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو ما لم يرق لتطلعات مجموعة "إكواس" التي يتوافق موقفها الداعي إلى التدخل العسكري مع الموقف الفرنسي. في غضون ذلك، شددت السلطات في كل من مالي وبوركينافاسو اللهجة ضد تحالف "إكواس-فرنسا"، وأعلنا استعدادهما الدفاع عن النيجر والوقوف مع قيادته العسكرية الانتقالية في خندق واحد، وهو ما ينذر باشتعال حرب لا يعرف أحد نهايتها. وبفتح المغرب مجاله الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، يرى الملاحظون بأن التحالف "إكواس-باريس" مصر على المضي قدما نحو تنفيذ تهديداته ضد المجلس العسكري في النيجر، بعد تأمين استعداد المغرب للانخراط في حرب محتملة في هذا البلد، بعدما ضمنت باريس انخراط السلطات الانتقالية في تشاد مع مخططها، من خلال السماح لها باستغلال أراضيها لتكون منطلقا لتدخلها العسكري في النيجر بعنوان "إعادة الشرعية!"، من دون أن تحسم حسابات ما بعد هذه الخطوة، ومع أي شعب وأي جيش في النيجر ستتعامل مستقبلا.