أحيت مؤخرا الجمعية الثقافية "محمد إيفربوشن" الذكرى المائوية الأولى لميلاد الموسيقار الذي تحمل اسمه، وذلك بدار الثقافة "مولود معمري" بمدينة تيزي وزو· محمد إيفربوشن الذي لقبه الروس ب "إفور" بتاريخ 13 ديسمبر 1907 بقرية آث ووشن، تربى في كنف عائلة متواضعة وأمضى بين أحضان عائلته وقريته طفولته، إلى أن بلغ سن الخامسة عشرة وتنقل مع عائلته إلى العاصمة· منذ صباه كان إيفربوشن مولعا بالموسيقى وتعززت هذه الموهبة بتواجده بالعاصمة، حيث كان يحضر كل الحفلات الشعبية التي تقام آنذاك في شارع "بورسعيد" كما كان يتردد على المدرسة البروتستانتية· وفي آخر اللقاءات الفنية، جذب إيفربوشن انتباه أحد الأغنياء الإسكتلنديين "فرازر روس" الذي دعاه لمرافقته إلى إنجلترا ليتولى تربيته وتعليمه قواعد الموسيقى، غير أن إيفربوشن رفض العرض وفضل البقاء بوطنه الجزائر· وفي ظرف ثلاث سنوات، ظهرت مهارات هذا العبقري، فاصطحبه أستاذه إلى أوروبا وفيها واصل دراساته في الموسيقى الكلاسيكية، متوقفًا في باريس كمحطة أولى ثم إيطاليا، سويسرا وألمانيا· وخلال هذه الجولة، قدمه معلمه لامتحان تصفوي بغرض إدخاله المدرسة العليا للموسيقى في فيينا بالنمسا، وبالفعل نجح ودرس بها لمدة عام كامل· ومع بلوغه سن 19 عاما، أحيا إيفربوشن أول حفل له بمدينة "بريفينيز" لتكون الانطلاقة في عالم الكتابة الموسيقية· وبعد انتهائه من دراسته، استغل الموسيقار معظم أوقاته في التأليف، وقد ألف الراحل موسيقى عدة أفلام جلها صوّر بالجزائر، الأمر الذي سمح له بالعودة إلى وطنه من جديد· قضى الفنان 25 سنة من حياته في التأليف والموسيقى، حيث تعامل مع عدة فنانين جزائريين مقيمين في الغربة منهم محمد هامل، فريد علي، الشيخ نور الدين وغيرهم· لم ينحصر عمل ومشوار الراحل في تأليف السنفونيات، بل ألف موسيقى لأفلام جزائرية وعالمية، ومن تلك الأفلام "بيبي لو موكو" (1936)، "مقطوعة في القصبة"، "مقدمة للمساء"، "غناء الحب" و"قصة مورسيك"· وفي سنة 1937، ألف موالا مأخوذا من التراث الشعبي العاصمي، كما أنجز كذلك موسيقى فيلم "قدور في باريس" لأندري ستاروي، وعند سماع الروس هذه الموسيقى انبهروا وظنوا أن إيفربوشن موسيقار روسي· واصل الموسيقار نشاطه في تأليف موسيقى لأفلام قصيرة منها "أجمل رجل في العالم"، "أصبح النور" وغيرها· كما ألف مائة مقطوعة كانت مزيجا بين الشرق والغرب· تميز إيفربوشن بإبداعه المتواصل، حيث كان مولعا بإدخال الآلات الموسيقية الشرقية على مقطوعاته منها العود، القانون والدربوكة· أوكلت للفنان مهمة تنشيط عدة حصص إذاعية عن الموسيقى العالمية والإسلامية، كما زاول مهنة التدريس، حيث أشرف على تدريس 250 طالبا بالمدرسة العليا للموسيقى ببوزريعة، والتي استفاد منها الطلبة باعتبار الراحل صاحب مهارات وعبقريا في الموسيقى العالمية· كما تميّز الراحل بميولاته الأدبية والفكرية، حيث تكوّن على يد الروائي الفرنسي "ألبير كامو" وكان يتقن عدة لغات منها الفرنسية، الإنجليزية، والإسبانية، إضافة إلى العربية والأمازيغية·