لم يستسغ المخزن التقارير الدولية والوطنية التي تؤكد احتلاله صدارة منتجي المخدرات في العالم وتصديرها إلى دول الجوار، حيث راح كعادته يعلق خيباته على الجزائر بالتحامل عليها ومحاولة إلصاق هذه الآفة التي أصبح المغرب مضربا للمثل فيها بالجزائر، متهما إياها بمحاولتها التقليل من جهود الرباط في مكافحة المخدرات وتهريبها. وجاء رد السلطات المغربية بعد تقرير صادر عن منظمة الأممالمتحدة، وآخر عن الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان عليها، حيث أشار الأول إلى محافظة المغرب على الصدارة العالمية في مجال إنتاج القنب الهندي، في حين أبرز الثاني السموم الآتية من الجار الغربي، والتي أصبحت تغرق مدن و قرى الجزائر بكميات كبيرة تنذر بمخاطر حقيقية على صحة الشباب. وإذا كان إنكار المسؤولين المغربيين للاتهامات التي توجهها الجزائر يعد أمرا طبيعيا من منطلق الحساسية التي أصبحت تميز العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة، لدرجة أنها وصلت إلى حد المشاحنة، فإن ما يثير الاستغراب هو الجرأة التي يتحدث بها وزراء المخزن تعليقا على تقارير الهيئات الدولية، بالقول أن جهود المغرب في مجال مكافحة المخدرات مرحب بها دوليا، وأن الجزائر تواجه ذلك بانتهاج سلوك يسعى إلى التقليل من جهود الرباط. ففي لقاء صحافي عقد، أمس، رفقة وزير الاتصال، مصطفى الخلفي والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الشرقي اضريس، اتهم وزير الداخلية المغربي محمد حصاد، الجزائر بعدم اتخاذ أي مبادرة في مجال مكافحة وتهريب المخدرات، مشيرا في هذا الصدد إلى "انخراط الحكومة الجزائرية منذ مدة في منطق توجيه اتهامات ممنهجة للمغرب"، معتبرا "أن هذا المنطق" غير مفهوم فيما يخص موضوع مكافحة المخدرات" لاسيما و«أن الجزائر هي من تترأس اللجنة الفرعية المكلفة بمكافحة المخدرات التابعة لاتحاد المغرب العربي". وعمد المسؤول المغربي إلى تبني خطاب الجزائر بخصوص أبعاد وخطورة المتاجرة بالمخدرات التي أصبحت من أبرز مصادر الشبكات الإرهابية و الإجرامية، لكن باتهامها بأنها المصدر الأكبر للأقراص المهلوسة إلى المغرب و ذلك في سياق يثير الكثير من الاستغراب والسخرية، فخادم المخزن فضّل إطلاق اتهامات واهية بالاستناد إلى تقارير مغربية اتفقت على تشويه صورة الجزائر في هذا المجال، رغم أنه لم يسبق لتقارير الهيئات الدولية أن تحدثت يوما عن تورط الجزائر في أي نوع من أنواع المتاجرة بالمخدرات، بل أن التقرير الاممي الأخير حذّر ضمنيا من تنامي المتاجرة بالمخدرات إلى دول الجوار انطلاقا من الأراضي المغربية. وإذا كان حصاد، يتحدث عن الدعوة لاجتماع للجنة الفرعية المكلفة بمكافحة المخدرات التابعة لاتحاد المغرب العربي التي تترأسها الجزائر، فإننا نسأل الوزير المغربي عن مصير الدعوات التي وجهتها الجزائر للمغرب لدارسة مشكل تهريب المخدرات، كون ذلك يعد من أبرز الملفات التي تطرحها الجزائر فيما يتعلق بإعادة فتح الحدود، كما نسأل وزير المخزن كيف له أن يتحدث عن هذا الاجتماع في الوقت الذي يتماطل المغرب في تحريك أجهزة الاتحاد بسبب قضية الصحراء الغربية، كما أنه لا يبدي إرادة حقيقية للتصدي للشبكات المروجة للقنب الهندي و المساحات المزروعة من الحشيش في الأرياف المغربية، في إطار سياسة تكميم أفواه الفقراء في هذه المناطق أمام تفاقم المشاكل الاجتماعية في هذا البلد الجار. ووقع الوزير المغربي في تناقض كبير عندما يتحدث عن مسؤولية الجزائر في الترويج للمخدرات، وتعمدها إغراق مدنها بهذه السموم وتشجيع الشبكات الإرهابية على استغلالها لدر الأموال، في حين أن هذا الواقع هو القائم بذاته في المجتمع المغربي، كما أن التقارير الأخيرة تشير بكل وضوح إلى علاقة المخدرات المهربة من المغرب بالعمليات الإرهابية التي وقعت بجبال الشعانبي التونسية، وكذا التطورات الخطيرة التي تشهدها منطقة الساحل. وعندما يتأسف حصاد، لعدم وجود أي اتصال أو لقاء أو تبادل للمعلومات بين المسؤولين الجزائريين والمغربيين، فإننا نطرح عليه السؤال، كيف يمكن للأجواء المشحونة التي يقودها المخزن ضد الجزائر أن تفسح المجال أمام لغة الحوار والتشاور، في حين أن تصريحات الوزراء المغربيين تخلو من الأدبيات الأخلاقية التي يفرضها التعامل الدبلوماسي القائم على مبدأ الاحترام المتبادل. وكان من الأجدى لوزير داخلية المغرب، أن يعبّر عن امتعاضه للهيئات الدولية التي تصدر تقارير دورية عن المخدرات والتي تصنّف الرباط في قائمة الدول التي تنتج بها أكبر نسبة من المخدرات، غير أنه لا يجرؤ على ذلك في ظل الوقائع المدونة التي تستند تقاريرها على معطيات موضوعية. فمسألة اتهام المغرب الجزائر بمحاولة التقليل من جهوده في مكافحة المخدرات ما هي إلا واجهة يحاول من خلالها المخزن تحويل انتباه الرأي العام الدولي عن الحقائق الواردة في التقرير الاممي، وأكثر من ذلك تصوير الجزائر على أنها تعمل على زعزعة استقرار المغرب بتشويه صورته. وكثيرا ما يجتهد المخزن في إثارة قضايا جديدة مع الجزائر وفق رؤية انتقامية لا تخدم العلاقات الثنائية، ولعل التحامل الكبير على المستوى الرسمي المسجل في المدة الأخيرة يعكس درجة التعفّن الذي وصلت إليه الأوضاع بسبب التهور وغياب النضج الكافي للمسؤولين المغربيين الذين سيواصلون حتما انتهاج سياسة النعامة.