اتهامات الوزير الأول السيد عبد المالك سلال بخصوص مساهمة المغرب في تمويل الجماعات الإرهابية بسبب تدفّق الكميات الكبيرة من المخدرات من أراضيه، لم تنطلق من فراغ، لا سيما أن التقارير الدولية تصنّف الجارة الشقيقة بأنها مصدر هذه السموم، التي أخذت أبعادا خطيرة بسبب استغلالها من قبل الإرهابيين، الذين ينشطون في المنطقة المغاربية ودول الساحل. ولم يكن رئيس الجهاز التنفيذي ليُصدر مثل هذه التصريحات في لقاء أمام ممثلي المجتمع المدني لولاية تلمسان، الخميس الماضي، لولا وجود أدلة قاطعة تؤكد صحة الاتهامات الموجهة للرباط، في ظل التجربة الكبيرة التي تتمتع بها الجزائر في مكافحة الإرهاب والتنسيق الأمني القائم بينها وبين دول الجوار الأخرى، مستدلا في هذا الصدد بالعملية الإرهابية التي شهدتها جبال الشعانبي التونسية خلال الصائفة الماضية، والتي أودت بحياة جنود تونسيين، حيث أشار الوزير الأول إلى أن المعلومات المستقاة من هذا الاعتداء، تؤكد أن الإرهابيين استفادوا من تمويلات مصدرها أموال المخدرات. وبذلك أصبحت هذه الآفة تتجاوز الأخطار المهددة بصحة الإنسان، لتنتقل إلى تهديد إقليمي حقيقي انعكس على الجانب الأمني، في الوقت الذي تؤكد الاجتماعات المنعقدة لهذا الغرض، على أهمية تنسيق الجهود بين مختلف دول الجوار، لإرساء الأمن والاستقرار وفرض الخناق على المجموعات الإرهابية بتضييق مختلف مصادر تمويلها، غير أن الرباط تصرّ على السباحة عكس التيار، في الوقت الذي تؤكد التقارير الأمنية على تحالف بارونات تهريب المخدرات المنتَجة بالمملكة المغربية مع الجماعات الإرهابية، بل اتضح أن الجماعات الإرهابية أصبحت سندا لبارونات تهريب السموم في المغرب. وكثيرا ما وجهت الجزائر نداءاتها للرباط من أجل أن تكف عن ضخ هذه السموم، التي أصبحت تهدد دول الجوار الأخرى، ووضعت هذه المسألة ضمن شروطها الأساسية لفتح الحدود، لكن يبدو أن المغرب يفضّل سياسة النعامة في ظل المشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها، حيث تشكل زراعة القنب الهندي مصدر قوت العائلات المغربية الفقيرة في الأرياف، في وقت تتحدث التقارير الدولية عن جني المغرب 12 مليار دولار سنويا من تجارة المخدرات. ورغم نفي السلطات المغربية مسؤوليتها في تدفق هذه السموم انطلاقا من أراضيها، إلا أن آخر حصيلة قدمها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان عليها، قد أشارت إلى أن الجزائر تتعرض ل ”قصف” بالمخدرات من قبل المغرب، داعيا المجموعة الدولية إلى الضغط على نظام المخزن، لحمله على التعاون في مكافحة هذه الآفة من خلال وقف الإنتاج والاتجار بهذه السموم، التي حُجز 152 ألف طن منها خلال 10 أشهر من العام الجاري. وإذ تصنَّف الجزائر كمنطقة عبور لهذه المخدرات إلا أن ارتفاع الأرقام الخاصة بالكميات المحجوزة، تدل على فعالية نظام الردع والمراقبة الذي تعتمده بلادنا. وليست الجزائر وحدها من تشتكي من الظاهرة، بل حتى الرأي العام الدولي الذي دعا المغرب للكف عن تسميم العالم، بعد تصنيفه في التقرير الذي تقدم به مدير الديوان الأممي أمام لجنة المخدرات التابعة لمنظمة الأممالمتحدة العالمي لسنة 2013، بأن المغرب يُعد البلد المنتج والمموّن الرئيس في العالم بمادة الحشيش ”القنب الهندي”، ومصدّرها إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية بصفة خاصة. وأمام هذه الأدلة القاطعة التي تؤكد مسؤولية المغرب في تصدير هذه السموم، فإننا نتساءل عن نية السلطات المغربية في الانخراط في الجهود الدولية للتصدي لهذه الآفة، في الوقت الذي تسعى لتمويه العالم باجتماعات شكلية، كما هو الشأن للاجتماع الذي احتضنته مؤخرا، والخاص بتأمين الحدود بين دول الساحل، في حين أنها لا تأبه بالمخدرات التي تتدفق على الجزائر. وأمام هذا التناقض لا يمكن الحديث عن تعاون فعال بين البلدين في محاربة المخدرات، التي تشكل من أولويات الجزائر في الاستراتيجية الأمنية على المستوى الإقليمي، وهو ما أكدته مؤخرا خلال قمة الأمن والسلم التي احتضنتها باريس مؤخرا، بمشاركة الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، الذي مثل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، حيث تطرق رئيس الجهاز التنفيذي ل ”اللااستقرار” الذي يميّز منطقة الساحل ”بفعل الإرهاب والجريمة المنظمة، وخاصة تهريب المخدرات”، إذ لعب الاتحاد الإفريقي دورا هاما في تعبئة المجموعة الدولية في صالح هذه المنطقة (الساحل)؛ من أجل مكافحة فعالة لهذه الآفة. وفي الوقت الذي يبقى الاتحاد الإفريقي بحاجة إلى دعم أكثر فعالية من شركائه من أجل رفع التحديات المتعلقة بالسلم والأمن، فإنه أصبح اليوم يواجه تهديدات جديدة، أبرزها المخدرات، التي وجدت في التخلف الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي يمس بعض المناطق، على غرار الساحل، مرتعا خصبا للانتشار، بل إن الحصائل الأخيرة تشير إلى أن مناطق أخرى خارج المنطقة، أصبحت تهددها بارونات المخدرات، كما هو شأن السوق الأوروبية والشرق الأوسط أيضا، من خلال اتخاذها الجزائر مركز عبور. وعليه تبرز حتمية التعاون الدولي لمكافحة تهريب المخدرات، من خلال تدخّل المجموعة الدولية للضغط على نظام المخزن وحمله على وقف الإنتاج والاتجار بالمخدرات في أراضيه واتخاذ إجراءات ملموسة في هذا المجال، وذلك في ظل رفضه التعاون مع الجزائر ومع غيرها من الدول، للتصدي لظاهرة تهريب هذه المواد القاتلة.