يشتغل الفنان بوزار، في لوحاته على الطبيعة دون سواها يستمد منها الألوان الحية والخطوط والتموجات ومختلف الدروب المؤدية إلى الإبداع والتميّز القادر على ترجمة مفاتن الخضرة وتشاكيل المروج. استقبل الفنان "المساء" في معرضه الذي اختار له عنوان "الطبيعة في متنوّعاتها"، وراح يشرح ويقدّم بعض اللوحات التي توحي بأنّ فصل الربيع يسكن الرواق فلا مكان إلاّ للزهور والمروج والصفاء ورقرقة المياه وجريان الجداول وغيرها من دلائل سيد الفصول، ويقول "أعرض 35 لوحة وعندما تباع لي إحداها أعوّضها فورا كي لا أترك الفراغ، أعشق الفن والألوان والأهم من ذلك أنني أعشق الطبيعة بكلّ ما وهبها الله من حسن وجمال يجعل من الإنسان المتأمل لها فنانا رغم أنفه خاصة في بلادنا". تحدّث الفنان أيضا عن مشواره في الحياة الممتد على 86 عاما، اكتشف فيه الكثير وكان لذلك الثقل الحضور البارز في أعماله، ومن ضمن ما تعلّم في حياته هو أن لا يخوض ولا يمارس ما لا يتقنه أو ما لم يبحث فيه، يقول "منعت نفسي أن أسترسل في رسم مشاهد مألوفة كالقصبة والأماكن الأثرية المختلفة، وتعمّقت في موضوع الطبيعة خاصة منها الطبيعة الخضراء علما أنّني رسمت أيضا الصحراء من خلال لوحة صادمة كانت بعنوان "ما بعد البترول" بها الأشجار اليابسة والأوراق الجافة والقحط الشديد، منذ ذاك لم أتناول موضوع الصحراء على الرغم من جولاتي ومغامراتي فيها حتى أقاصي الحدود من تمنراست وإليزي وعين صالح وتندوف وغيرها، واكتشفت سحرها وهدوءها ورمالها ومتعتها وحضرت مهرجاناتها منذ بداية السبعينيات، منها مهرجان الموقار بتندوف ومع ذلك كله لم تكن لي تجربة ثرية ولا ميلا كبيرا يدفعني للرسم". بالمقابل، فإنّ هذا الفنان الحكيم يعشق الربيع وكلّ أخضر ممتد إذ تشبّعت مخيلته بمنطقة مسقط رأسه بمليانة، المعروفة بأنّها عاصمة الكرز ومكان القمم الجبلية ومقامات الأولياء الصالحين كمقام سيدي عبد القادر بمنطقة زكار، كما تعتبر منطقة رياشة قطعة من الفردوس بجنانها الممتدة عبر الاتجاهات المختلفة، ناهيك عن حقول فوجار صنع الخالق البديع، والجالس فيها يرى بأم عينيه بحر شرشال البعيدة عن المنطقة ب50 كم، وكلها صور فاتنة تجسّدت بإحساس رقيق ووفي للألوان الطبيعية. يشير الفنان مخاطبا "المساء"، "لقد كانت هناك الكثير من المناطق الخلابة الممتدة إلى الولايات المجاورة مثل فوجار التي كانت منطقة ملتقى ومركزا للثوار لكننا حرمنا منها بسبب القنابل التي زرعت فيها إبان الثورة التحريرية"، كذلك مزارع وأشجار الكرز الملياني الشهير التي اقتلعتها يد الإرهاب". يؤكّد المتحدث أيضا أنّه لا يرسم مناطق لم يرها بأم عينيه، وغالبا عندما تشدّه أية مناظر يصوّرها فوتوغرافيا ثم يعود للبيت لتحميضها ليعيد رسمها على اللوحة وبالألوان الزيتية وغالبا بالأسلوب الانطباعي، وقد يسقط أحيانا بعض التفاصيل التي لا يراها مهمة ويحافظ على المناظر الرئيسية المحورية، وأحيانا أخرى يرسم بالإلهام خاصة باقات الورد باستخدام تقنية الفرش المتعددة وهي تقنية تجلب كثيرا الجمهور. من بين لوحاته المعروضة إلى غاية 13 سبتمبر الجاري، "الطريق المزهر اتجاه بحر تنس"، "مدخل تنس وشرشال"، "وادي الشلف"و"حقول البنفسج والأقحوان" وغيرها. يتحدث الفنان عن فنّه وعن بعض ذكرياته علما أنه من مواليد سنة 1928، وهو من أصول عريقة تنحدر من مدينة مليانة، يتذكّر طفولته في الكشافة الإسلامية التي أسّسها ابن مليانة الشهيد محمد بوراس سنة 1936 بالعاصمة (فوج الهلال)، ثم بعدها بأشهر بمليانة مع صديقه صادق الفولي (فوج ابن خلدون). ولد الفنان وبعض إخوته بمدينة شرشال كان أبوه وكيلا شرعيا بها وبعد وفاته عادت العائلة إلى مليانة، وفي سنة 1945 التحق الفنان بمدرسة "الثعالبية" بالقصبة، التي مكث فيها حتى سنة 1950، وكانت عبارة عن مدرسة عليا للأساتذة والقضاة بالقصبة أسّسها ابن شنب، الذي درس مع والده وبعض أعمامه، وهنا أطلع المتحدث "المساء" على بعض صوره التذكارية بالأبيض والأسود أغلبها من فترة الأربعينيات ولا يزال يتذكّر زملاءه بالدراسة بعضهم سقطوا شهداء في ثورة التحرير وبعضهم أصبحوا إطارات سامية بعد الاستقلال (رؤساء حكومة، سفراء ووزراء وغيرهم)، ناهيك عن أساتذته الأكفاء الذين شهد لهم بالعلم والثقافة استطاعوا أن يربوا أجيالا صنعت الاستقلال ونهضة الجزائر . للتذكير، فإنّ الفنان بوزار متقاعد منذ سنة 1990، كان يشغل مهام مفتش عام بوزارة الثقافة والإعلام، وقبلها بوزارة التجارة يمارس الفن منذ سنة 2008، ويبقى هذا الفنان الحكيم متواضعا رغم مشواره الحافل يستقبل الجمهور بنفسه ويقدّم له أعماله ويجيب على استفساراته، كما يبقى وفيا لذكرياته الجميلة التي هي جزء من ذاكرة الجزائر، من خلال أبناء جيله الذين تحصّنوا بالوطنية وبالتحصيل والتفوّق العلمي في شتى المجالات دون التخلي عن الهوية الثقافية، وعن الحس الجزائري الجميل والأصيل.