يتلألأ معرض الفنان التشكيلي محي الدين سعيداني المقام حاليا برواق ديدوش مراد بالأضواء الذهبية المنبعثة من أطر لوحاته التي تحكي التراث والأصالة بكل ألوان الطيف. تمتد ريشة هذا الفنان المحترف من أزقة القصبة وصولا الى حدود مدينة جانت وتترجم بصدق جمال وتراث مناطق الجزائر، وما يلاحظ هو التزام الفنان بالأسلوب الكلاسيكي المتناسب مع كل ما هو تراث إذ أن لوحات سعيداني تعكس صورة المجتمع الجزائري إبان عقود ماضية. لوحة »جرجرة - القبائل« تتقاطع فيها الألوان الطبيعية الحية، التي تعكس المناظر الخلابة لجرجرة زمن الربيع حيث لامكان إلا لزرقة السماء والماء واخضرار السهول والجبال تقف امامها امرأة قروية وكأنها تتأمل صنع الخالق حاملة على ظهرها جرتها وعينها على قطيع الغنم. المرأة الترقية لاتقل جمالا وحضورا وخصّها الفنان بلوحة رائعة من الجانب التقني تكاد تنطلق أصالة وديناميكية تبرز فيها تقاليد هذه المرأة خاصة في اللباس والزينة. يتواصل حضور المرأة في لوحة »نساء«، حيث تبرز امرأتان كطيف غير واضحتي المعالم والقوام رسمتا بأسلوب سريالي راق وامتزجت فيهما الألوان الداكنة والفاتحة معا. بدورها لاتقل الطبيعة فتنة وجمالا خاصة إذا ما ارتبطت بالتراث وبحياة الناس التقليدية التي تعطي انطباعا بأنها مهربة من الزمن الكلاسيكي الجميل (خاصة نهاية القرن ال 19). الحديث عن التراث لن يكون دون حضور القصبة العتيقة التي تظهر في اللوحات في أوج عافيتها وكأنها رسمت في قرون خالية تتجلى القصبة من خلال أزقتها المتعرجة والنظيفة والساكنة المتوغلة عبر بيوت عتيقة، جميلة (لا علاقة لها بحالتها في واقع اليوم) مطلية بألوان مختلفة تزيدها أشعة الشمس توهجا وجمالا كما يلاحظ لون الجير في بيوت أخرى وعلى جدران منفصلة ممتدة عبر الشارع. في لوحات أخرى تظهر العاصمية بالحايك التقليدي وهي تقطع الأزقة في هدوء ومتعة كما يظهر أهل القصبة من الرجال يزاولون نشاطهم وحياتهم اليومية. تتوالى اللوحات مستعرضة أماكن أخرى متعددة منها لوحة »الزيارة« التي تعكس تراث مزار سيدي عبد الرحمن وأخرى عن مزار سيدي أمحمد وكلها تكاد تكون فضاءات للنساء اللواتي يترددن على هذه الأماكن المباركة. كما يفتح الفنان نافذة كبيرة خضراء (نافذة على التاريخ) على حي القصبة ليسلط الضوء على بعض معالمه. تحضر أماكن اخرى منها »الأميرالية« و»المسمكة« وغيرها ويرسمها كما كانت في سابق عهدها، حيث لا وجود لأي مظهر من مظاهر العصرنة. مناطق أخرى حاضرة في المعرض كمنطقة التنس المعروفة بقبب زواياها التي تعانق البحر وميناء شرشال الذي تصطف على ساحله القوارب الصغيرة ومرتفعات بعض المدن الساحلية التي تنتشر فيها البيوت والتي ترتبط باخضرار الأرض وبزرقه البحر. تظهر روعة »كورنيش جيجل« ذو الجمال العذري ويكاد في هذه اللوحة أن يتداخل الموج الأزرق بالسماء، وينتقل الزائر بين أروقة المعرض وكأنه ينتقل من مدينة إلى أخرى أي من غرداية وساحاتها العتيقة المعروفة بالتجارة إلى سوق التوابل، بالوادي إلى مرتفعات الباهية وهران. يؤكد المعرض أن الجمال بحق ابن المرأة والطبيعة فالمرأة حاضرة في كل اللوحات منها لوحة »تكريم النساء الصحراويات« وهن في مسيرة علي أرجلهن يقطعن الصحراء وصولا الى الطبيعة، واحتفالاتها البحرية التي تنشطها الزهور والمغارة المفتوحة على فتنة طبيعة الجزائر الخضراء، وخصوصية طبيعة تمنراست ورجالها ورموزها الثقافية. للإشارة فإن محي الدين سعيداني من مواليد العاصمة في 18 ماي ,1946 متحصل على الشهادة من المدرسة الوطنية للهندسة والفنون الجميلة بالعاصمة سنة 1969 ثم من مدرسة الفنون المطبعية (1973-1976) من جنيف. ينظم سعيداني معارضه منذ سنة 1967 كما برز في المهرجان الثقافي الافريقي سنة 1969 واستطاع منذ بداياته افتكاك أهم الجوائز خاصة في مسابقة مدينة الجزائر. ابتداء من 1970 انتقل بمعارضه للخارج منها باريس، بروكسل، بودابيست وميونيخ التي تحصل فيها على جائزة مهمة، توالت معارضه عبر العديد من المدن الجزائرية، والعواصم العالمية خاصة بأوروبا. للتذكير فإن فعاليات هذا المعرض تختتم غدا 30 أفريل.