نظمت جمعية مشعل الشهيد وجريدة المجاهد أمس، منتدى حول تمويل ثورة التحرير الوطنية والتسيير المالي للحكومة المؤقتة، تكريما للفقيد أحمد فرانسيس، وزير المالية في الحكومة المؤقتة –التي نحتفل في 19 سبتمبر بتاريخ إنشائها- وأول وزير مالية في الجزائر المستقلة. وأجمعت آراء المتدخلين على صفات الرجل الحميدة التي جعلته "ركيزة من ركائز السياسة الجزائرية" على حد تعبير السيد الهاشمي العربي، وهو أحد أعضاء المجموعة التي أشرف عليها الفقيد فرانسيس، لإعداد أول ميزانية للجزائر المستقلة سنة 1962. فتعيينه في هذا المنصب راجع للصفات التي كان يتمتع بها لاسيما "أمانته ونزاهته" التي عرف بها أثناء إشرافه على تسيير تمويل ثورة التحرير، كما أشار إليه المتحدث، الذي أكد بأن تحضير الميزانية الأولى بعد الاستقلال كان أمرا صعبا لقلة الخبرة لدى الجزائريين، وهو ما دفعهم للاستعانة بأربعة خبراء فرنسيين، من بينهم رولان بيكار، الذي أشرف على الأمور المالية في مفاوضات ايفيان. ورغم بعض ما وصفها ب«التجاوزات" ومنها قلة الميزانية الموجهة للتعليم وضخامة الميزانية الموجهة للدفاع، فإن السيد العربي، صرح بأن الميزانية تم إعدادها وقدمت للبرلمان و«مرت الأمور بخير". وبالنسبة للمجاهد عضو الحكومة المؤقتة لمين خان، فإن أحمد فرانسيس، ابن مدينة غليزان التي ولد بها عام 1910 كان "رجلا فاضلا"، واستحق مكانه ضمن طاقم أول حكومة جزائرية، بالنظر إلى قدراته وصفاته، ومنها أنه كان "صارما وشحيحا في صرف المال العام"، حسب المؤرخ محمد عباس، الذي تدخل في المنتدى للتعريف بشخصية الفقيد، ساردا أهم المحطات التي مر بها نضاله السياسي منذ أن كان طالبا في فرنسا، حيث درس الطب، مرورا بنشاطه السياسي مع المرحوم عباس فرحات، الذي كان ذراعه الأيمن، وصولا إلى انضمامه إلى صفوف ثورة التحرير الوطني بعد مؤتمر الصومام وانضمام فرحات عباس إليها. وأصبح وزيرا للمالية في التشكيلة الأولى والثانية للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برئاسة فرحات عباس (1958-1961)، وشارك في مفاوضات إيفيان الأولى وأقيل من منصبه بعد عزل فرحات عباس، ليغيب عن الساحة السياسية حتى الاستقلال، وبعد الاستقلال عين نائبا بالمجلس التأسيسي الأول ووزيرا للمالية في 27 سبتمبر 1962. وتوفي في 31 أوت 1968 في جنيف بعد معاناة طويلة مع المرض. وسمح المنتدى للتطرق كذلك إلى موضوع تمويل الثورة من طرف المتدخلين، حيث تم التأكيد على أن الشعب كان بدون منازع الممول الرئيسي للثورة التي كانت فعلا "ثورة شعبية". ورغم أن غالبية الشعب كان يعيش حالة الفقر، إلا أن هذا لم يمنعه من تمويل الثورة عبر الاشتراكات والمساهمات وتأمين المؤونة الغذائية، كما أوضح الدكتور عامر رخيلة، الذي شدد بالخصوص على المساهمة الكبيرة للجزائريين في المهجر في تمويل الثورة. في هذا الصدد أشار إلى أن مشاركاتهم كانت تمول حوالي 50 بالمائة من ميزانية الحكومة الجزائرية المؤقتة. وقال إن عددهم كان يفوق حينها 400 ألف شخص، غالبيتهم ساهمت في التمويل رغم وجود عائق لتحصيل الاشتراكات في بداية الثورة بسبب "ولاء جزء منهم لمصالي الحاج". وتحدث عن تحويل 500 مليون فرنك فرنسي قديم شهريا إلى حساب بسويسرا بمساعدة بنكي يهودي من أصل مصري كان صديقا للثورة وتم اغتياله. من جانب آخر أشار إلى دور بعض المجموعات الأجنبية مثل مجموعة جونسون، أو حملة الحقائب في تمويل الثورة وكذا المساعدات المالية والعينية التي كان مصدرها الدول العربية وكذا جامعة الدول العربية التي قدمت أول دفعة سلاح للثورة.