كما كان منتظرا ووسط أجواء عادية، وأمام حضور هام للمؤتمرين وللشريكين (الحكومة والباترونا)، وعدد كبير من الضيوف الجزائريين والأجانب، زكى المؤتمر ال12 للاتحاد العام للعمال الجزائريين، أمس، أمينه العام السيد عبد المجيد سيدي السعيد، لعهدة جديدة. وفي غياب تام للمعارضين جدد سيدي السعيد، مواقف الاتحاد الداعمة للحوار مع حكومة سلال، الذي كان على رأس ضيوف المؤتمر، رافضا كل أشكال العنف أو اللجوء إلى الإضراب لتحقيق المطالب العمالية، مشددا على أن مبدأ المركزية النقابية هو "المطالبة عن طريق الاقتراحات"، وهو ما جعلها محط "ثقة واحترام" لدى الجميع. وتمت تلاوة لائحة تزكية السيد سيدي السعيد، في نهاية الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي تتواصل أشغاله إلى غاية الغد، من طرف رئيس مكتب المؤتمر الطيب حمارنية، لتؤكد خيار الاستمرارية في الاتحاد رغم وجود أطراف معارضة حاولت إسماع صوتها في الأيام الأخيرة، لكنها كانت أمس، غائبة تماما عن الحدث، ووقف المؤتمرون كلهم يصفقون لعهدة جديدة أبقت سيدي السعيد، على رأس أكبر نقابة في الجزائر. وأشارت اللائحة إلى أن التزكية تمت تثمينا ل"الجهود المعتبرة التي قام بها سيدي السعيد، خلال العهدة السابقة فيما يخص الحفاظ على مناصب الشغل والمؤسسات والمنتوج الوطني"، وكذا لوقوفه دائما في صف "الجزائر الجمهورية الآمنة الموحدة المستقرة"، وحرصا على "استقرار الاتحاد وتحصين هياكله وقواعده واستكمال مهمته... والثبات على نهج الاتحاد السليم الذي رسمت معالمه قيادته العليا، وتفويت الفرصة على المناوئين دعاة التفرقة بحجج ظاهرها المصلحة العامة وحقيقتها هدّامة ومخزية". ومباشرة عقب التزكية، اعتبر السيد سيدي السعيد، أن تزكيته تعد ردا واضحا على معارضيه، وقال في تصريحات صحفية على هامش المؤتمر ردا عن سؤال حول القائلين بعدم شرعية المؤتمر "لهؤلاء أقول إن المؤتمر أجاب عليهم". وجدد التأكيد على مواصلة نفس النهج والوفاء لمبادئ ومواقف الاتحاد، مشيرا إلى أن الأخير "لا يفرق بين الدفاع عن العمال والدفاع عن الجمهورية"، وأنه يفضّل لغة الحوار لأنها "أثبتت نتائجها ميدانيا"، رافضا أسلوب الإضراب لحل المشاكل "مادام حلّها بالحوار ممكنا". وقال إن حماية الإنتاج الوطني والصناعة الجزائرية مبدأ رئيس، وأنه "التحدي الحقيقي"، قائلا "علينا اليوم أن نفهم أننا نستطيع معا وبدون عنف وبدون عداوة أن نبني بلدنا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو نداء الاتحاد"، مشددا في السياق على ضرورة الحفاظ على السلم وعلى استقرار البلد من أجل تجسيد كل المطالب. وأكد أن دعوة ممثلي نقابات مستقلة لأول مرة لحضور افتتاح المؤتمر يدخل في إطار السعي لإعطاء الاتحاد صورة "المنظمة التي تريد لم الشمل"، بعيدا عن كل أشكال الكراهية والعداوة. إشادة بالرئيس بوتفليقة وإنجازاته وتميّز خطاب الأمين العام للمركزية النقابية، الذي اعتبر بأن المؤتمر ال12 يعد لحظة "احتفال"، بالاشادة الكبيرة برئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، والدور الذي لعبه في الحفاظ على مقومات الدولة وكذا في بنائها. وركز على إنجازين رئيسيين هما "تحقيق المصالحة الوطنية واسترجاع السلم"، و«الدفع المسبق للديون الخارجية للجزائر". ولم يتردد في الاعتراف وب«صوت عال" بالعرفان للرئيس بوتفليقة، نظير ما قام به، معبّرا عن اقتناعه بأنه لولا هذين القرارين لما تمكّن الاتحاد من عقد مؤتمره، ولما كان هناك حديث أصلا عن إلغاء المادة 87 مكرر لاسيما في الأوضاع الراهنة، مضيفا بأن قرار دفع الديون "جنّبنا قلقا مستقبليا". كما حيا قرارات الرئيس الأخيرة في مجلس الوزراء لاسيما استمرار مخطط التنمية، وذلك الخاص بترشيد الواردات وتعزيز عمليات التمويل للاقتصاد، مشيرا إلى أنها تخدم الإنتاج الوطني. وحيا من جهة أخرى "القوات الحيّة في الوطن" التي تعمل على حماية وطننا من كل الأخطار ومحاولات الزعزعة، ووجه كلامه بالخصوص إلى المتواجدين في الحدود وفي الجبهة لحماية الجمهورية ووحدة التراب الوطني، مؤكدا دعم الاتحاد لهم. وألح على الحوار الاجتماعي في عمل الاتحاد، معتبرا أن نتائجه تترجم عمل الأطراف الثلاثة (عمال- حكومة- باترونا)، مشيرا إلى تحول عقد النمو الموقّع بينهم إلى مرجع في المكتب الدولي للعمل. مواصلة نهج الحوار وتغليب مصلحة البلاد وقال إن "ثقتنا في التشاور مكنتنا من تجسيد عدة ورشات لاسيما إعادة بعث الصناعة الجزائرية وتحسين مستوى معيشة المواطنين." وبالمناسبة حيا عمل الحكومة لاسيما الوزير الأول عبد المالك سلال، لاسيما في بعث الصناعة ومرافقة القطاع الخاص، لكنه طالب بتسريع العمل من أجل تعزيز الإنتاج الوطني وتشجيعه وتطويره ودمجه في السياسة الاقتصادية، داعيا الجميع إلى المساهمة في ذلك، والعمل معا بدون أي عنف من أجل تشجيع استهلاك المنتج الوطني، معتبرا أنه لا شيء يجعلنا نستحي من "الوطنية الاقتصادية" التي تعني الحفاظ على مصالح بلدنا. من جانب آخر دعا إلى التوقف عن الانتقادات واستبدالها باقتراحات مع تغليب مصلحة الوطن، لذا اعتبر أن التقرّب من الحكومة وباقي الشركاء أفضل سبيل لتحقيق مطالب العمال، وعارض اللجوء إلى الإضراب، وقال بهذا الصدد "لدينا دكتوراه في الإضرابات لكن الدكتوراه التي تؤدي إلى التهلكة لن نستخدمها"، وأن الأفضل هو المطالبة عبر الاقتراحات، مشيرا إلى أن كلمة "عنف" لا وجود لها في قاموس الاتحاد، وأنه "لا تفاوض على مصالح الدولة". وعرفت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ال12 تدخل ممثلة المكتب الدولي للعمل، التي أشادت بالدور الذي يلعبه الاتحاد الباحث عن تحقيق التوازن بين مطالب العمال ومصلحة المؤسسات، كما أشادت باجتماعات الثلاثية ونتائجها لاسيما عقد النمو الموقع شهر فيفري الماضي، والمقدم لمكتب العمل الدولي شهر جوان الفارط. ولم تنس التذكير بالعمل النشيط للاتحاد على المستويين الوطني والجهوي.نفس الإشادة جاءت على لسان ممثل منظمة الوحدة النقابية الإفريقية، الذي أشار إلى أن الاتحاد يبقى النقابة الأكثر تمثيلا في الجزائر، رغم التعدد النقابي، مذكرا بمناقبه التاريخية ومشواره الطويل في الكفاح والنضال. كما أشاد بالدور الكبير الذي لعبه رئيس الجمهورية، على المستوى الإفريقي وفي كل النضالات التي خاضتها بلدان القارة. وبالمثل ذكر ممثل (الباترونا) رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، بتضحيات الاتحاد العام للعمال الجزائريين منذ الفترة الاستعمارية، مشيرا إلى ضرورة إعطاء دفع للتعاون بين الشركاء من أجل مواجهة التحديات المطروحة، كما ركّز على مسألة التضامن مع الفئات الهشة، معلنا بالمناسبة عن إنشاء المنتدى لمؤسسة ستساهم في ترقية ثقافة التضامن بمجتمعنا عبر تحضير مبادرات ملموسة في هذا الاتجاه. وتمت مساء أمس، مناقشة التقارير الجهوية للمندوبين، إضافة إلى تنصيب لجان إثبات العضوية ولجنة إعداد اللائحة السياسية، وأخرى لضبط برنامج عمل المركزية النقابية خلال الخمس سنوات القادمة.