يشكل نقص الهياكل المتخصصة في التكفل بمرض التوحد، أهم المعيقات أمام تسجيل نتائج إيجابية بالرغم من أن بعض التجارب الميدانية المتخصصة أعطت ثمارا مشجعة، على غرار ما حدث بمصلحة الطب العقلي للأطفال بالمؤسسة الجوارية للطب العقلي ببرج منايل بولاية بومرداس، بعد نجاحها في التكفل ب 3 حالات لأطفال مصابين بالتوحد تجاوزوا إصابتهم تماما، وتم إدماجهم اجتماعيا من ضمن مجموعة من 25 طفلا خضعوا لتكفل مستمر ومكثف من طرف شبكة متخصصة، أشرف عليها الدكتور إبراهيم أعراب أخصائي في الطب العقلي للأطفال. سجلت مصلحة التكفل بالتوحد التي يشرف عليها الدكتور أعراب خلال 2014، تكفلا ب 250 حالة توحد لأطفال وشباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 شهرا و24 سنة. وقال الدكتور أعراب رئيس شبكة التكفل بمرض التوحد بولاية بومرداس، إن نقص الهياكل المتخصصة في التكفل بهذا المرض يعيق عملية التكفل، بالرغم من توفر أخصائيين. وطالب الجهات المتخصصة بالإسراع في حل هذا الإشكال. وألح الأخصائي على الجهات المعنية بالإسراع في اتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل الدفع بعملية التكفل بالطب بمرضى التوحد خاصة مع وجود أخصائيين، مبيّنا أنه عمل في السنوات القليلة الماضية على إنشاء شبكة تضم 60 أخصائيا يمثلون مختلف التخصصات الطبية، بما فيها الطب النفسي والأرطوفونيا إلى جانب الممرضين، أشرف شخصيا على تكوينهم. وتوصلت مصلحة التكفل بالطب العقلي للأطفال بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية لبرج منايل شرق العاصمة خلال 2014، إلى تحقيق نتائج مشجعة بالرغم من النقائص المسجلة. وأكد الدكتور أعراب في لقاء خاص مع "المساء"، أن معدل الإصابات الجديدة بمرض التوحد يصل إلى 10 حالات أسبوعيا، وهذا ما يستوجب، حسبه، التعجيل في دعم أوجه التكفل بهذا المرض من خلال توفير الهياكل الصحية الملائمة. وقد تكفّل الأخصائي خلال موسم 2013 - 2014، بتنصيب شبكة متخصصة في التكفل بالتوحد، كان لها مركز قار ببلدية بن شود، إلا أن الهيكل لم يكن يفي بمتطلبات العمل نظرا للنقص المسجل في الوسائل وتم التخلي عنه بعدها "رغم ذلك حققنا نتائج جيدة؛ حيث تمكنا من متابعة 25 حالة إصابة بالتوحد، أعمارها ما بين سنتين و7 سنوات، 3 حالات مرضية منها تجاوزت المرض بنسبة 100%، وحققت اندماجا مدرسيا جيدا". يقول الدكتور موضحا: "من الممكن جدا تحقيق نتائج إيجابية مع مرضى التوحد، عكس ما يروَّج له عادة بأنه مرض مزمن شرط أن يكون الكشف مبكرا والتدخل الطبي المتخصص في وقته". وبفضل شبكة التكفل بالتوحد التي أشرف عليها الأخصائي، فإن الطاقم الطبي المُكون يعمل ميدانيا كلٌ في قطاعه الصحي لبلديات تاورقة، اعفير، سيدي داود، بغلية، راس جنات ودلس بولاية بومرداس، ومتى تم تشخيص حالة إصابة بالتوحد يتم مباشرة إرسالها إلى مصلحة الطب العقلي للأطفال بالمؤسسة الجوارية للصحة العمومية لبرج منايل، "ولهذا فإننا نطالب بفتح مركز مرجعي لمرض التوحد بالولاية، وحبّذا لو يكون في المركز الوسيط لمعالجة الإدمان المرتقب افتتاحه قريبا بيسّر المدينة، وهو ما سيعطي نفَسا جديدا لشبكة التكفل بالتوحد"، يقول ذات الأخصائي. ويتصدر التوحد قائمة الاستشارات الطبية المتخصصة بمصلحة الطب العقلي للأطفال، إلا أن نقص الهياكل المتخصصة يجعل فرصة العلاج قليلة إلا بالنسبة لمن أسعفهم الحظ في نيل فرصة المتابعة في المراكز الخاصة على ندرتها، ليبقى التكفل بهم على مستوى الطب العقلي والنفسي والأرطوفونيا، الملاذ الوحيد لهم ولأسرهم، وهو ما يسمح بتخفيف أعراض المرض؛ في محاولة لإدماجهم اجتماعيا. وفي السياق، يشير الدكتور أعراب إلى أن العلاج في مجموعات يأتي بنتائج جيدة، خاصة بالنسبة للأمهات، حيث يتم جمع عدد منهن كل مرة، لتقاسم التجارب بينهن فيما يتعلق بالتكفل بأطفالهن المتوحدين تحت إشراف طبي متخصص، وهذه الطريقة قد ثمّنها الأخصائي كثيرا، قائلا إنها تعطي نتائج إيجابية خاصة على الصعيد النفسي للأمهات؛ "فإذا لم تتقبل الأم إصابة طفلها بالتوحد أو أي مرض نادر فإن العلاج سيفشل حتما"، يتابع الأخصائى. ويُعتبر التوحد من الأمراض النفسية والعصبية النادرة التي تصيب الأطفال في سن مبكرة، ومع تطور العلم زادت نسبة الوعي بين السكان بهذا المرض، وظهرت جمعيات تهتم بالمساعدة في زيادة الوعي والتعرف على هذا المرض؛ أسبابه وأعراضه وكيفية علاجه وكيفية التعامل والتكيف مع الأطفال المصابين بالتوحد، إلا أن كل هذا وذاك يبقى رهين توفر الهياكل الصحية التي تستقبل الأطفال المرضى وأهاليهم من أجل تكفّل طبي ونفسي واجتماعي متكامل؛ "هذا ما يخلق لدينا ضغطا كبيرا في متابعة عملنا، فإذا كان معدل الاستشارة الطبية المتخصصة بمصلحتنا محددا ما بين 6 و7 استشارات، فإننا اليوم قد تجاوزنا 14 استشارة يومية في ساعات عمل ما بين الثامنة والنصف صباحا ومنتصف النهار، وهذا يشكل ضغطا كبيرا علينا، لذلك نجدد رفع مطلبنا بتوفير مركز متخصص في التكفل، ومتابعة مرض التوحد على المستوى الولائي"، يختم الدكتور إبراهيم أعراب حديثه.