أوضح الرئيس المدير العام لشركة "بيتروستراتيجي" المختصة في الاستشارة والصحافة البترولية، السيد بيير تيرزيان، أن أسعار النفط مدعوة للارتفاع، مشيرا إلى اقتناعه بأن الاستراتيجية التي اعتمدتها المملكة العربية السعودية والتي أدت إلى خفض أسعار النفط، سيكون مآلها الفشل مثلما شهدته محاولاتها السابقة، "لأن الشروط غير ملائمة لاستمرار هذا الوضع"، إلا أنه اعتبر أن السؤال الهام الذي يطرح، هو "هل ستلجأ السعودية إلى الاستثمار لرفع قدراتها الانتاجية؟ وهو مالا تفعله حاليا"، مشيرا إلى أن هذا القرار قد يغير الكثير من المعطيات. وركز الخبير الفرنسي في مداخلته التي ألقاها، أمس، بمقر شركة سوناطراك، على الموقف السعودي في تحليله لأوضاع سوق النفط الراهنة. إذ حمل –بطريقة غير مباشرة- المملكة مسؤولية انخفاض الأسعار، التي جاءت ضمن "استراتيجية تدريجية" لم تفهم أهدافها في أول الأمر، لكن سرعان ما بدت واضحة، لاسيما في الاجتماع الأخير لأوبك حين أصرت السعودية على المحافظة على حصتها في السوق بالرغم من الانخفاض الهام للأسعار. وأشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تلعب فيها السعودية هذا الدور، مذكرا بوقوفها وراء أزمتي 1976 التي استخدمت فيها "لأول مرة سلاح النفط"، ثم أزمة 1986 التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط إلى أقل من عشر دولارات. لكن في المرتين لم تفلح في إنجاح مسعاها- حسب المحاضر- الذي توقع أن لاتنجح كذلك في الأزمة الراهنة التي بدأت في جوان الفارط بإعلان السعودية عن خفض أسعار نفطها، بحجة تمكين أصحاب المصافي من الحصول على هوامش ربح معقولة. إلا أن الأشهر الأخيرة أكدت أن الأهداف التي تسعى إليها هي "الحفاظ على حصتها في السوق" و"خفض الإنتاج بالنسبة لمنتجي المحروقات غير التقليدية والمحروقات الأكثر تكلفة، "وإشراك الجميع في هذا المسعى". وكان لابد من انتظار شهر ديسمبر الماضي ليتبين الموقف السعودي الرسمي، حين أعلن وزير الطاقة، السيد النعيمي، بأن السعودية لن تغير مواقفها حتى لو نزلت الأسعار إلى أدنى من عشرين دولارا، إذ اتضح الأمر –كما قال- بأن المملكة تسعى للحفاظ على مكانتها في سوق النفط ووزنها الجيوسياسي، لاسيما بعد أن تضاءلت واردات الولاياتالمتحدةالأمريكية الطاقوية من السعودية. فالاستغلال الامريكي للغاز الصخري، مكن من تحقيق شبه اكتفاء من المحروقات في الولاياتالمتحدة، التي تمكنت من خفض نسبة اعتمادها على الاستيراد من 60 بالمائة في 2006 إلى 25 بالمائة في 2014، لتصل إلى الاكتفاء وحتى التصدير في الخمس سنوات المقبلة. ورغم انخفاض الأسعار، فإن الخبير يؤكد بأن منتجي الغاز الصخري سيواصلون إنتاجهم لأنهم مدينون للبنوك ولن يكون أمامهم حل آخر لتسديد قروضهم سوى الاستمرار، رغم ارتفاع كلفة الاستخراج والاستغلال. ويعني هذا حسب السيد تيرزيان، "حل العقد بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعربية السعودية"، الذي تم الاتفاق عليه في 1989، والذي سماه "الأمن مقابل الأمن"، أي ضمان الأمن الطاقوي للولايات المتحدة مقابل الأمن بصورته الشاملة بالنسبة للسعودية. في السياق، قال إن الولاياتالمتحدة كانت تعلم مسبقا بانخفاض الأسعار، مشيرا إلى أن محللي البنوك الأمريكية لعبوا دورا في التحضير لهذا الوضع، كما ذكر بتصريح للرئيس باراك أوباما حول الأزمة الأوكرانية والعقوبات المسلطة على روسيا، حين قال إن الولاياتالمتحدة أدمجت في حساباتها مسألة خفض أسعار النفط، في إطار تسليط العقوبات على روسيا، التي تضررت فعلا لأنها تعتمد على وارداتها من المحروقات بنسبة 68 بالمائة. كما أن واشنطن تعتبر أن أسعار نفط منخفضة ستكون ذات أثر إيجابي على اقتصادها. هذه المعطيات تشير إلى فشل المسعى السعودي الذي ساندته دول خليجية أخرى، لاسيما الامارات والكويت، وبالتالي عودة الأسعار إلى الارتفاع من جديد، خاصة إذا لم يتم إهمال جانب "الطلب" الذي قال إنه سينتعش في الولاياتالمتحدة .كما سجل بأن الشركات البترولية حاليا غير مؤمنة بفكرة استمرار انهيار الأسعار، وتعتبر أن الأمر ظرفي. وانتقد المحاضر الدور الذي لعبته "أوبك" في الأزمة الراهنة وقال إنه احسر كثيرا، لدرجة اعتبر فيها إننا نعيش حاليا "فترة مابعد بترول أوبك". وأضاف بأن مشكلتها هي التناقض في الأهداف بين أعضائها. كما نبه إلى أننا نعيش في الوقت الراهن وضعا تواجه فيه التكنولوجيا التقليدية ابتكارات تكنولوجية هامة في هذا المجال، وأن ذلك سيؤثر بصفة كبيرة على الصناعة البترولية ومهنها. وعن سؤال حول الغاز الصخري والاحتجاجات المتواصلة بشان استكشافه في الجزائر، قال إنه أمام "اللامنطق" من الضروري انتظار عودة الأوضاع إلى حالها، من أجل طرح الأمور في إطار علمي، باعتبار أن ما يغذي الاحتجاجات حاليا هي مجرد "آراء".