شرعت التعزيزات الروسية أمس في الانسحاب من الأراضي الجورجية وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته موسكو وتبليسي قبل أيام برعاية فرنسية لاحتواء الوضع الذي انفجر فجأة منذ أسبوعين في منطقة القوقاز. وقال ألكسندر لوميا الأمين العام لمجلس الأمن الوطني الجورجي أمس أن الجنرال الروسي فياتشيسلاف بوريسوف المشرف العسكري على المنطقة أبلغه أن القوات الروسية بدات انسحابها من مدينة غوري الجورجية باتجاه مدينة دجاف في اوسيتيا الجنوبية. وأضاف أن القوات الروسية أزالت نقطتين للمراقبة العسكرية في غوري في وقت بدأت فيه المدرعات الانسحاب من مواقع جورجية بعد أسبوعين من اندلاع الأزمة العسكرية بين موسكو وتبليسي. وكانت موسكو تعهدت بإنهاء انسحابها من الأراضي الجورجية مساء أمس الجمعة مع الاحتفاظ ب500 عنصر من جنودها في منطقة أمنية عازلة محيطة بالإقليم الانفصالي لأوسيتيا الجنوبية التي تتواجد بها قوات لحفظ السلام روسية منذ عام 1992. ولكن روسيا التي شرعت في الانسحاب من الأراضي الجورجية قررت في خطوة معاكسة للإبقاء على قبضتها على جورجيا والاحتفاظ بممر استراتيجي يربط العاصمة تبليسي بالبحر الأسود. وأكثر من ذلك فقد أكد مساعد قائد الأركان الروسي الجنرال أناتولي نوغوفيتسين أن بلاده ستحتفظ بحقها في زيادة عدد جنود قوة حفظ السلام في جورجيا عند الضرورة. وكان مساعد قائد الأركان الروسي أكد امس أن الانسحاب سيبدأ بمعدل يجعل كل القوات الروسية خلف خط المنطقة التي نتولى مسؤولياتها مع نهاية نهار أمس. وأضاف أن المنطقة العازلة ستضم سلسلة من نقاط التفتيش تتحكم بها قوة حفظ السلام الروسية ولا تضم مدينة غوري الإستراتيجية. غير أن ألمانيا التي أعربت عن أملها في انسحاب القوات الروسية من قلب الأراضي الجورجية اعتبرت وضع منطقة عازلة محيطة بجمهورية أوسيتيا الجنوبية الانفصالية عن جورجيا سيكون مجرد إجراء مؤقت في حل النزاع لا يمكن إطالته. وقال توماس ستيغ المتحدث المساعد للمستشارة الألمانية انجيلا ميركيل أن إنشاء القوات الروسية لمنطقة عازلة يبقى فقط مجرد إجراء أمني مؤقت في انتظار إيجاد تسوية دولية سريعة لإنهاء النزاع. وأضاف المسؤول الألماني أن هذه المنطقة التي كانت محل توافق في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين موسكو وتبليسي تحت إشراف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يجب أن لا تضم طرق رئيسية أو بنى تحتية أو مدن إستراتيجية مثل مدينة غوري. ودعا أطراف النزاع إلى الإسراع في التوصل إلى اتفاق لوضع آلية دولية تضم خبراء من المنظمة من اجل الأمن والتعاون في أوروبا. وتستبعد برلين أن تكون الأزمة الجورجية قد فتحت الباب أمام حرب باردة جديدة بين روسيا والدول الغربية من منطلق أن المعطيات التي سادت فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تغيرت وظهرت معطيات جديدة تتحكم فيها المصالح الاقتصادية تلزم الطرفين بالتعاون خدمة لمصالحهما. وفي هذا السياق دعا وزير الدفاع الألماني فرانز جوزيف جونغ إلى تبني طريق الحوار لحل الأزمة الجورجية من اجل عودة الأمن والاستقرار إلى منطقة القوقاز. وقال عندما أفكر في المسالة النووية الإيرانية اعتقد أن الغرب والروس لديهم نفس المصالح في المجال الأمني. غير أن المغامرة الجورجية غير محسوبة العواقب في اوسيتيا الجنوبية أكدت أن روسيا تبقى الرابح الأكبر من هذه التجربة بدليل أن أوسيتيا الجنوبية حذت حذو جارتها أبخازيا بعدما تقدمت هي الأخرى بطلب رسمي إلى روسيا لقبول استقلالها عن جورجيا. فقد طلب برلمان جمهورية أوسيتيا الجنوبية الانفصالية أمس رسميا من موسكو الاعتراف باستقلال هذه الجمهورية عن جورجيا باعتبار أنها تملك كل مقومات الدولة السيدة. وتقدم البرلمان بهذا الطلب إلى الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف ومجلس الاتحاد الروسي. ويأتي هذا الطلب بعد أسبوعين على العملية العسكرية التي نفذتها روسيا في جورجيا لمنع القوات الجورجية من استعادة السيطرة على هذه الجمهورية الانفصالية الصغيرة والواقعة على الحدود بين روسيا وجورجيا.