شكّل مؤتمر باندونغ المنعقد شهر أفريل من سنة 1955، نقطة انطلاق وبروز الدبلوماسية الثورية الجزائرية، التي خططت وسعت للتعريف بالقضية الجزائرية في المحافل واللقاءات الدولية، وشكلت أندونيسيا التي احتضنت المؤتمر، فرصة ذهبية لبعثة جبهة التحرير الوطني، ممثلة في شخصي الفقيد امحمد يزيد والرمز التاريخي حسين آيت احمد، واللذين خاضا اتصالات ماراطونية مكثفة لحضور هذا التجمع الآفرو-آسيوي؛ لما له من أهمية بالنسبة للقضية الجزائرية. ولم يكن من السهل أن تشارك جبهة التحرير الوطني في مؤتمر باندونغ؛ بسبب اصطدامها بعقبة إجرائية هامة، تتمثل في كون هذا الاجتماع يضم دولا مستقلة من إفريقيا وآسيا؛ مما يحول دون قبول ممثلين عن جبهة التحرير الوطني كعضو كامل العضوية في أشغال المؤتمر، وهي لا تتمتع بصفة الدولة. وأوضح الدكتور عامر رخيلة أمس في ندوة تاريخية بمنتدى الذاكرة المنظمة من قبل جمعية مشعل الشهيد وجريدة "المجاهد"، أن المجاهد حسين آيت احمد والفقيد امحمد يزيد خاضا مفاوضات ماراطونية واتصالات بالسلطة المصرية وجامعة الدول العربية، للمشاركة في مؤتمر أندونيسيا. وبالفعل، تم الاتفاق على مشاركة الجزائر ضمن وفد مغاربي يأخذ صفة ملاحظ، وبهذه المشاركة تكون الدبلوماسية الجزائرية قد بدأت تخطو أولى خطواتها نحو التمرس، وتكون جبهة التحرير الوطني قد حققت انتصارا دبلوماسيا. وقد استطاع ممثلوها أن يتحركوا بحرية ضمن وفد المغرب العربي، وأن يتمكنوا من إقناع أغلبية الوفود المشاركة بعدالة القضية الجزائرية. ونجحت جبهة التحرير وممثلوها في إسماع القضية الجزائرية؛ بدليل القرار الذي خرج به المؤتمر الذي نص على حق الشعب الجزائري والمغربي والتونسي في تقرير المصير والاستقلال، ودعوة الحكومة الفرنسية لوضع تسوية سلمية لهذا الموضوع.. وكان هذا القرار الصادر عن أكبر تجمّع آفرو-آسياوي والذي عرف مشاركة 29 دولة و600 مندوب، بمثابة فتح أبواب المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأممالمتحدة، أمام القضية الجزائرية. وأضاف الباحث أن باندونغ حقق انتصارا للقضية الجزائرية؛ حيث لم تمض ثلاثة أشهر على انعقاد المؤتمر. وتنفيذا لتوصيته بعرض القضية الجزائرية على الأممالمتحدة ورغم الضغوط الفرنسية، فقد تقدّم مندوبو 14 دولة عربية وآسيوية بتاريخ 29 جويلية 1955 برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطلبون فيها إدراج "قضية الجزائر" في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة شهر ديسمبر 1955. وتزامنت الرسالة مع ما كان يصل أروقة الأممالمتحدة من أنباء عن أحداث عسكرية وتجاوزات الجيش الفرنسي في الجزائر. وتم خلال المنتدى الذي تناول موضوع مؤتمر باندونغ باعتباره محطة حاسمة في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية مع تسليط الضوء على الدور الذي لعبه كل من الفقيد امحمد يزيد والمجاهد الرمز حسين آيت احمد، تكريم ممثل سفارة أندونيسا بالجزائر، الذي لبس "برنوس الستر"؛ تكريما للشعب الأندونيسي، الذي آمن بعدالة القضية الجزائرية، وذلك بحضور وجوه تاريخية وسياسية بارزة، يتقدمهم الوزير الأسبق يزيد زرهوني، والمجاهد صالح قبي وشخصيات وطنية وطلبة..