يُعد الفنان محمد بوالفول واحدا من الوجوه الفنية التي تركت بصمتها على الساحة الفنية المحلية والوطنية على حد سواء، وأكثر من ذلك؛ فهو يُعتبر من الوجوه الأولى التي كان لها شرف حمل لواء فني «الصنعة العاصمية» و»المالوف» القسنطيني على مستوى ولاية سكيكدة خلال الستينات الماضية، في رصيده 50 سنة من العطاء الفني، «المساء» التقه بقصر الثقافة وأجرت معه هذه الدردشة. ❊ من هو بوالفول محمد؟ ❊ بوالفول محمد فنان من مدينة سكيكدة محترف، متخصص في الصنعة والمالوف. ❊ ما هي قصتكم مع الفن؟ — ❊ كانت بدايتي الأولى مع الفن سنة 1965 في الكشافة الإسلامية، لما كنت أبلغ من العمر 15 سنة، حيث أتيحت لي الفرصة، لأول مرة، لمداعبة آلة «المندولين»؛ إذ شدتني الألحان المنبعثة منها والتي كنت أعزفها بعفوية. ففي سنة 1967، اندمجت في فرقة موسيقية بسكيكدة، كان يشرف عليها المرحوم مولود باشا، وفي سنة 1968 انخرطت في فرقة موسيقية أخرى للإخوة بوختشة، كانت تؤدي المنوعات، وكنت عازفا بها، وبداية من سنة 1969، انخرطت في فرقة المستقبل الفني التي يشرف عليها الفنان أحمد بوبايو، وكانت هذه الفرقة تؤدي الشعبي والمالوف، واسمحوا لي أن أقول لكم بأنني أعتبر انضمامي إلى هذه الفرقة بمثابة بدايتي الفنية الحقيقية مع الغناء، خاصة أنها أتاحت لي فرصة إبراز موهبتي الصوتية في الطرب الشعبي الذي كان يسكنني منذ أن كنت صغيرا، مولعا بأصوات كل من المرحوم محمد العنقا وقروابي والزاهي وغيرهم من أعمدة الشعبي خلال تلك الفترة التي أعتبرها عصرا ذهبيا للأغنية الجزائرية الأصيلة من الشعبي خاصة، المالوف، ثم الأندلسي بوجه عام. بعد هذه السنة، أصبحت مطربا متخصصا في الشعبي «الصنعة»، أشارك في المهرجانات الوطنية والمحلية، منها المهرجان الوطني الشعبي للأغنية الوطنية في العاصمة سنة 1978، وغيرها من المهرجانات والتظاهرات الفنية... ❊ باعتباركم من قدماء الفنانين في سكيكدة، كيف تنظرون إلى مستقبل الشعبي؟ — ❊ شخصيا أراه زاهرا، خاصة أنه أصبح خلال السنوات الأخيرة يعرف إقبالا كبيرا من قبل جيل الشباب بالرغم من قلة وجود مقرات لتكوين وتعليم هؤلاء وتوصيل هذا الفن الأصيل إليهم، تماما كما تعلمناه من شيوخنا. وأتأسف بخصوص مدينة سكيكدة بكل ما تزخر به من مواهب، من أنها ماتزال تفتقر إلى المدرسة البلدية للموسيقى، التي تظل مغلقة أمام التأخر الكبير في عملية ترميمها. ❊ ما هو الفرق الموجود بين جيلكم والجيل الحالي؟ ❊ أقول لكم بكل صراحة، إن الجيل الحالي محظوظ لسبب بسيط، يبمثل في توفره على الإمكانيات والوسائل، خاصة السمعية البصرية، إضافة إلى المرافقة التي يحظى بها من قبل الشيوخ الذين لازالوا على قيد الحياة، زيادة على مستواه التعليمي؛ مما سمح له باستيعاب كل ما يقدَّم لهم، لكن مع كل هذا أقول؛ يجب تغيير الذهنيات. ❊ ماذا تقصدون بضرورة تغيير الذهنيات؟ —❊ يجب أن يفهم الجميع بأن الفن تربية وأخلاق ومدرسة تربي وتهذب النفوس والعقول والسمع. في زمننا كنا نعتبر شيوخنا بمثابة أولياء، والفرقة الموسيقية بمثابة أسرة عائلية كبيرة... الفن بالنسبة لي مؤشر من مؤشرات التطور والتقدم والنجاح للوصول إلى النجومية. فلا يمكن تحقيق النجومية في غياب الأخلاق التي أعتبرها الحصن المنيع الذي به نحمي فننا الجزائري الأصيل. ❊ ما هي أحسن طريقة في تلقين الفن الأصيل لجيل الشباب؟ — ❊ أعتقد أن أحسن طريقة يجب انتهاجها من قبل الجمعيات والمدارس الفنية لتعليم الفن الجزائري الأصيل، تبنّي الطريقة البيداغوجية في تعليم تاريخ وأصول الموسيقى الجزائرية الأصيلة، وكذا مبادئ السولفاج. وأكثر من ذلك تدريس تراجم شعراء الشعبي وشرح قصائدهم، كلها أعتبرها القاعدة الأساسية التي تمكننا من تقديم فن جزائري حقيقي، وتكوين فنان ملتزم ومحترف وملمّ بخبايا الفن؛ لأن الفنان الحقيقي - وهذه قناعتي - ليس من يعرف كيف يغني، بل يكون عارفا ومتعلما ومتأدبا وعازفا ومطربا. ❊ لمن يعود الفضل في بروزكم كمطرب محترف متخصص في «الصنعة»؟ ❊ شخصيا، مدين لمحمد العنقا ودحمان الحراشي وعمار العشاب ومحمد زربوط - يرحمهم الله جميعا - وهؤلاء فعلا هم من مهّدوا لي الطريق كي أصير فنانا ولو عن طريق السماع والأداء. ❊ كلمة أخيرة. —❊ أشكر في البداية جريدة «المساء» على هذه الالتفاتة التي أعتز بها، كما أستغل اليومية حتى أوجّه بالغ تحياتي لكل مشايخ الشعبي؛ سواء كانوا في عنابة أو العاصمة أو مستغانم، وأخص بالذكر كل من السادة نور الدين بن عطية وعبد القادر شرشام وعبد الحميد جلواجي وعاشور شامباز ومحمد ولد أمعمر ومولاي احمد بن كريزي وأحمد زغيش وغيرهم.