المطرب حمدي بناني واحد من أقطاب الأغنية الأندلسية في شرق الجزائر ، إذ يعتبر رائد المألوف العنابي ، الفن الراسخ في أعماق التاريخ ، و الذي يمتد إلى الوجود العربي في الأندلس ، وهو تراث أصيل متأصل اكتسبه الأحفاد عن الأجداد ... حمدي بناني اكتسبه و ذاع صيته من خلاله داخل الوطن و كانت له جولات أسطورية عبر بلدان العالم ، حيث حاز على عدة جوائز في مهرجانات دولية ؛ إلى جانب أن أبو الكمان الأبيض حمدي بناني ، انهي مشواره الجميل و المتواصل على طريقة الكبار ، أين ألف كتابا يخلد من خلاله مسيرته الفنية الحافلة و التي تعود إلى عقود مضت ، منتهجا في هذا نهج كبار المطربين و الفنانين العالميين ، الذين يقف التاريخ إجلالا لعطاءتهم ، ليتميز صاحب الكمان في كل مناسبة جميلة يكون فيها نجما ساطعا في سماء الأغنية الجزائرية ، إلتقيناه عدة مرات في مدينة وهران و كانت لنا معه جلسة طيبة دونت في دفاتر شموع الإبداع . ** من أي الينابيع شرب و من أية المدارس تخرج الفنان حمدي بناني ؟ *** المدرسة العنابية و المألوف العنابي هما مدرستي و المنبع الذي شربت منه و ارتويت ، وعمي محمد حمدي بناني كان أحد عمالقة المألوف العنابي ،إلى جانب محمد الكرد ، و جد العائلة محمد بلوصيف كان أكبر فنان في عنابة في زمانه ، لذلك أنا ابن هذه العائلة الفنية العريقة التي سقتني الفن مع الحليب و ها أنا أحمل مشعل المألوف العنابي بعد ' حسن العنابي ' رحمه الله ، وما أقوم به الآن ليس نقل فن المألوف كما هو فقط ، بل أحاول تحديث المألوف و تطويره بما يتماشى مع التطور السريع الذي نعيشه حاليا ، سواء من خلال الرتم أو الموسيقى ، مع الحفاظ على طابعه الأصيل . أضاف اني تخرجت من مدرسة الشارع ولم أدرس لا أنا ولا أقراني من مطربي الأغنية الأندلسية من أبناء جيلي لا في مدرسة الصنعة ولا في غيرها من المدارس، أخذت هذا الفن وحفظت عيون الطرب الأندلسي على شاطئ البحر، والأمر الذي يجهله العديد من أهل الوسط الفني هو أن هذه المدارس حديثة النشأة وظهرت في النصف الثاني من الستينيات، وكانت الفترة متزامنة مع فعاليات المهرجان الأول للفن الأندلسي في العاصمة سنة 1966، أين شاركت فرق مختصة في أداء الطابع الأندلسي من تركيا وإسبانيا وحتى من مصر. ** هل بإمكانك أن تحدثنا عن رحلتك مع المألوف ؟ *** البداية بالضبط كانت سنة 1958 عندما بلغت الخامسة عشرا من عمري فتعلمت العزف على العود ثم الكمان و بعد الاستقلال بفترة قصيرة كان لي أول حفل لي بمسرح عنابة بمناسبة تقديم مسرحية ' بوس بوس لحسن دردور ' و كانت أغنيتي الأولى تحت عنوان ' ياباهي الجمال ' بطبع المألوف الأصلي و قبلها كنت أغني بالفرنسية مع أوركسترا ' ابانيرا ' ونلت آنذاك الجائزة الأولى بأغنية ' أنا عاطفي ' ثم بدأت أعمل في الأفراح في عنابة . ** متى بدأت رحلتك مع الجمهور الجزائري ؟ *** كان في أول حفل لي في التلفزة الجهوية سنة 1966 غنيت ' لازال دهرك سعيد ' و الأغنية من الصبوحي و تعني وقت الصباح ثم جاء مهرجان المألوف سنة 1968 فشاركت فيه بأغنية ' ما نلت والو ' و في سنة 1970 في نفس المهرجان نلت الجائزة الخامسة كما شاركت في مهرجان 1976 مع الفنان الكبير حسان العنابي بأغنية ' شمس العشية ' كما حظيت فرقتنا آنذاك باستقبال من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين و عرفت بعض الأغاني شهرة و انتشار كبير منها ' عيون لحجارة و ' عاشق ممحون ' بالله يا حمامتي ' كما شرعت فيما بعد في أداء الفلامينكو ذا الطابع العربي و المجرد من الاتجاه الاسباني ** ماذا عن المشاركات التي قمت بها في الخارج و ما هي أحسنها ؟ *** شاركت في عدة دول منها تونس ، ليبيا ، السنغال و فرنسا لكن أحسن مشاركة كانت في مهرجان سمرقند الدولي للموسيقى الكلاسيكية بالاتحاد السوفياتي سابقا و الذي حضرت 52 دولة و قدمت خلالها عزفا على العود بمفردي أمام 6 ألاف متفرج وكان ذلك سنة 1984 و تحصلت على جائزة الامتياز قدمها لي رئيس الدولة و في كوريا الشمالية أطلق علي الرئيس كيم ايل سونغ اسم 'الملاك الأبيض ' و أهداني ساعته . ** قص علينا حكاية الكمان ' الكمنجة ' الأبيض ؟ *** إنه كمان أمريكي من طراز ' بارسو بيري ' عندما طلبته من الأمريكان رفضوا لكني بعدما حصلت على الجائزة الأولى في سمرقند بالإتحاد السوفياتي ، أرسلوه لي إلى باريس بواسطة مبعوث خاص و هذا يعني أن الأمريكان لا يبيعون لأي كان وللعلم ففي عام 1984 لا أحد كان يمتلك هذا النوع من الكمان سوى أنا و كاترين لارا . ** سمعنا أنك ضيعته ذات يوم في بلجيكا فهل هذا صحيح ؟ *** لم يضع مني ،لكني نسيته في سيارة الأجرة و لحسن الحظ أعاده لي صاحب الطاكسي ** ماذا فعلتم للحفاظ على المألوف ؟ *** لقد أسسنا مدرسة للمألوف يقودها أحد تلامذتي و أنا رئيسها لقد مثلنا مدينة عنابة في العديد من المهرجانات وكانت ناجحة . ** نعود إلى فن المألوف ، هل هناك اختلاف بين الطبوع أي بين عنابة و قسنطينة و تلمسان مثلا و بين دول المغرب العربي؟ *** بالنسبة للشرق الجزائري هناك فرق طفيف بين عنابة و قسنطينة مثلا في أغنية " شمس العشية "أما في الوسط و الغرب فالطبع يتغير تماما و كذلك الوزن و النغمات أما الكلمات فواحدة و نحن في الشرق نقترب من المألوف التونسي كما يقترب الغرب من المألوف المغربي و أعتقد أن الاختلاف واقع في جميع الدول العربية . ** يبقى هذا اللون الفني الأصيل مهددا بالزوال في أي وقت، لأنه ليس مدونا؟ *** هذا صحيح.. هذا اللون الفني يصارع الزوال منذ القدم، ولولا أن شيوخه تولوا مهمة المحافظة عليه من خلال تحفيظه لأولادهم وأحفادهم لما لحقنا من هذا الفن شيء، ورغم أننا نملك معاهد لتعليم هذا اللون الغنائي لكن الدولة لم تتخذ حتى الآن خطوة حقيقية وإيجابية لتدوين هذا الفن، وبقي اليوم علينا أن نقوم بكتابته نوتة بنوتة حتى نضمن وصوله للأجيال . ** طالما أن شيوخ الأندلسي كانوا يدركون أهمية الحفاظ على هذا الفن، لماذا لم يدونوه؟ *** الحقيقة "شيوخ زمان" قصدوا عدم تدوينه، لأنهم كانوا يحرصون على احتكاره؛ بحجة أن هذه الأغاني ستفقد نكهتها إذا دونت، ومن جهة أخرى حتى هم تعلموا عن طريق الحفظ، والعديد من الشيوخ ماتوا وماتت معهم قصائدهم. ** ماذا ضمنت مذكراتك؟ *** تحدثت فيها عن حياتي منذ سنة 1956 إلى يومنا هذا، بدايتي مع الغناء، أصدقائي في الجزائر وخارجها، الرؤساء الذين غنيت لهم لدى زيارتهم لبلادنا، في مقدمتهم الرئيس الروسي، الرئيس الصيني "ماو تسي تونغ"، الماريشال "تيوتو"، الرئيس الكوبي "فيدال كاسترو". ** أكثر من ثلاثين سنة في حقل المالوف، ما هو انطباعك عن واقع الأغنية الجزائرية بشكل عام؟ *** الأغنية الجزائرية خرجت إلى العالمية، وأصبحت معروفة في أمريكا واليابان وغيرها من بلدان العالم، والفضل في هذا يعود إلى بعض المطربين الذين صدروها بصورة حسنة ** ماذا تقول عن المرحوم أحمد وهبي عملاق الأغنية الوهرانية ؟ *** إنه فنان محترم و قد أعطي للأغنية الوهرانية طابعها المميز و جميل أن نري جيلا جديدا يسير على خطى هؤلاء العظماء في الفن الجزائري من خلال مهرجان الأغنية الوهرانية . ** حمدي بناني عائليا ؟ *** أنا متزوج و أب لولد و بنت ...و الابن بناني كمال فنان في الفرقة و عازف على القيتار ** ختاما ماذا تقول ؟ *** أقول أنه يجب ترقية ثقافتنا و معرفة أي بلد لا تكون إلا من خلال ثقافتها و تراثها ، و المالوف و الشعبي و الأندلسي جزء من ثقافتنا و هويتنا الجزائرية .