أبهر العرض الفني المسرحي "مسار الذاكرة" لمعده ومصممه عمر فطموش، الحضور الذي غصت به قاعة مصطفى كاتب بالمسرح الوطني محيي الدين بشطارزي، في حفل افتتاح الدورة العاشرة لمهرجان المسرح المحترف، سهرة أول أمس، من خلال عمل ملحمي يبعث على الاعتزاز بالإرث المسرحي الجزائري. يروي العمل في نسق بديع تاريخ المسرح الجزائري وأهم رواده وأجمل مسرحياته، وكذا أبرز الشخصيات التي تختزن الذاكرة الجماعية للجزائريين. وشكلت المصاحبة الموسيقية للأوركسترا الوطنية بقيادة المايسترو أمين قويدر، دعامة فنية جميلة؛ عزفوا بوتر حساس فأبهج الجمهور، ولعل العرض هو الأول من نوعه؛ حيث تم فتح مقدمة الخشبة للجوقة الموسيقية. واستُهل العرض بعزف شجي، وكعادته رُفع الستار وضُربت الدقات الثلاث، وبدأت حكاية المسرح في الجزائر، وكيف استمدت وجودها من عروق مازالت تتدفق إبداعا من زمن المسرح الإغريقي، على غرار "مأساة أوديب"، مرورا بكلاسيكيات الأدب العالمي، بأخذ أقوى المشاهد التي أبدع فيها كل من شيكسبير في مسرحية "هاملت"، وموليير في مسرحية "المنافق"، وصولا إلى مساهمة المسرح في توعية الشعب بقضيته وهو يعيش تحت نير المحتل الفرنسي عبر فنانين كبار، من أمثال سيد علي فرنندال ورشيد قسنطيني ومحيي الدين بشطارزي وعلالو محمد التوري، وإبراز النشاط المسرحي، مثل مسرحية "فاقو" التي أزعجت المحتل. واستمر العرض في تقديم مآثر كبار المسرح الوطني، على غرار ولد عبد الرحمان كاكي برصد مشاهد من مسرحية "132 سنة"، ثم مقاطع من "نجمة" لكاتب ياسين، و«الخبزة" لعبد القادر علولة، و«يا حلالف" لعبد المالك بوقرموح، ف "الحافلة تسير" والممثل والمسرحي المبدع عز الدين مجوبي. كما تمت الالتفاتة للمثل الفذ صراط بومدين في دوره جلول الفهايمي. وتم نسج كل هذه الفصول في لوحات سلسلة المساق التي تبعث على البهجة، والتي رفعت من درجة الفرجة التي انتشى بها الحضور. وتفردت الأوركسترا الوطنية بأداء موسيقي راق، ونهلت من الموسيقى الكلاسيكية التي طعّمت بدورها المشاهد الكلاسيكية، ثم تنوعت، ولتكتسي المعزوفات فيما بعد بحلة جزائرية محلية، بالأخذ من الأغاني التي اشتهرت في المسرحيات الجزائرية. وكانت المناسبة للقاء الأجيال المسرحية وعدد كبير من الممثلين من مختلف ولايات الوطن.