فنّد وزير الخارجية التونسي السيد الطيب البكوش، ما راج مؤخرا بخصوص وجود توتر في العلاقات الجزائريةالتونسية؛ سواء بسبب الاتفاق الأمني لتونس مع واشنطن، أو بسبب التصريحات المريبة لرئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي، مشيرا إلى أن علاقات التعاون الثنائي من شأنها أن تشهد تطورا إيجابيا وتصاعديا. وأوضح البكوش في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته أمس، قائلا: "علاقاتنا مع الجزائر متميزة، ولا وجود لأي سوء تفاهم، كما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام"، مضيفا أن العلاقة بين الجزائروتونس متجذرة واستراتيجية، وهي تقوم على التنسيق والتواصل المستمر بين قيادتي البلدين. وأشار إلى أن هذه العلاقة تشمل كافة مناحي الحياة، وترتكز على عاملي "الجغرافيا والتاريخ"، اللذين يحتّمان على البلدين تركيز تعاونهما أمنيا واقتصاديا وسياسيا. وذكر الوزير التونسي أن الجزائر قيادة وشعبا، قد باركت جميع مراحل الانتقال الديمقراطي التونسي، وآزرت بلاده في المحن والظروف الصعبة التي مرت بها، مثلما آزرت تونس الشعب الجزائري الشقيق زمن الكفاح؛ من أجل التحرر الوطني وفي جميع المحن التي عرفها. ويعتقد الطيب البكوش المحسوب على حزب "نداء تونس" الحاكم، أن هناك "رغبة صادقة من البلدين لمزيد من دعم التنسيق والتشاور الثنائي على جميع المستويات، خصوصا في الفترة الراهنة، لمواجهة ظاهرة الإرهاب التي تستهدف المنطقة برمّتها، ولبحث سبل وآفاق استتباب الأمن والاستقرار في الشقيقة ليبيا في إطار تسوية سياسية شاملة، بمشاركة كل الأطراف بدون استثناء"، باعتبار أن مستقبل الأمن في المنطقة مرهون بعودة الاستقرار إلى هذا البلد. وعلى المستوى الاقتصادي، قال البكوش إن البلدين ما فتئا يبذلان الجهود الضرورية للرفع من حجم التعاون، ولتحقيق نسب أعلى في التبادل التجاري ولتنويع قاعدته، لا سيما من خلال الاستفادة من الاتفاق التجاري التفاضلي الثنائي، والعمل على تطويره. كما يتواصل العمل لتفعيل القرارات التي تم اتخاذها بخصوص تنمية المناطق الحدودية، وتأهيل المنافذ الجمركية لتحسين أدائها وخدماتها، علما أن تونس تمثل وجهة سياحية تقليدية للجزائريين الذين ناهز عددهم المليون ومائتين وثمانين ألف سائح سنة 2014. وتأتي تصريحات وزير خارجية تونس بعد التصريحات الاستفزازية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، التي تحامل فيها على الجزائر وأمنها الداخلي، وهو ما أثار استياء الطبقة السياسية، التي اعتبرت تدخّله في الشأن الجزائري من أرض بلد شقيق، يراد منه تسميم العلاقات بين البلدين، والعمل على ضرب استقرار الجزائر، فضلا عن محاولته كسب تأييد الرأي العام الفرنسي والعودة إلى الواجهة من بوابة الجزائر. وكان وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السيد رمطان لعمامرة، قد وصف التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي السابق، ب "غير المرحَّب بها"، وأن التاريخ قد أقصى الأفكار الاستعمارية تماما، مضيفا: "أمر مشروع أن نطرح بهذا الخصوص سؤالا يتعلق بما إذا كانت الأفكار الاستعمارية بصدد العودة من جديد بعد أن أقصاها التاريخ تماما، وذلك عبر مواقف عقيمة تستهدف التلاعب بالجغرافيا". ومن جهتها، كانت حركة نداء تونس قد بررت استضافتها الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، بالقول إن هذا الأخير هو من طلب المجيئ إلى تونس، كخطوة لمساندتها في الوضع الصعب الراهن الذي تمر به، خاصة بعد الهجوم الإرهابي الأخير". وقال الأمين العام لحركة نداء تونس محسن مرزوق، إنه وسط التحذيرات من السفر إلى تونس، قرر ساركوزي "رئيس أقوى حزب في فرنسا"، القدوم للترويج للسياحة التونسية، متابعا أن رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوبيه وأبرز المرشحين لأحزاب اليمين، سيزور تونس أيضا. كما أكدت الحركة أن تصريحات ساركوزي بخصوص الجزائر تبقى من مسؤولياته فقط، "أما العلاقات التونسيةالجزائرية فلن تتأثر بذلك، وما حدث يُعد زوبعة في فنجان"، على حد تعبيرها، في حين أشارت إلى أنها حريصة كل الحرص على توطيد علاقات الأخوة وحسن الجوار مع الشقيقة الجزائر، حيث إن ذلك من صميم برنامجها، ولن تقبل دروسا أو مزايدات في هذا الشأن. ومن جهته، كان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد أكد مطلع الشهر الجاري في حوار أجرته معه إذاعة "أوروبا 1"، أن الجزائر تبقى الحليف الأول الاستراتيجي في أي آلية تعاون وتنسيق لارتباط الأمن القومي التونسي بأمن الجزائر بشكل مباشر، مشيرا إلى أن بلاده لن تفرّط في الجزائر على حساب قوى دولية أخرى أبدت استعدادها لمد يد العون للحكومة التونسية، من أجل تقوية الجيش التونسي وتطوير المنظومة الأمنية في البلاد. للإشارة، فإن المعطيات الأخيرة الناتجة عن التحولات السياسية التي عرفتها تونس إثر أحداث السنوات الأخيرة، فرضت تحديات جديدة في ظل بروز المخاطر ذات العلاقة بالإرهاب، مما حتّم إقامة تعاون مشترك بين الطرفين للتصدي لها، لا سيما أن الجزائر تزخر بتجربة كبيرة في هذا المجال. وكانت لجنة مشتركة بين البلدين قد اجتمعت شهر أفريل الماضي بالجزائر العاصمة، أعلنت خلالها عن سعي الجزائروتونس لإعداد اتفاق عسكري لمواجهة الإرهاب والتهديدات الأخيرة التي تعرفها تونس. ويتضمن هذا الاتفاق تشكيل وحدات عسكرية مشتركة قادرة على إيقاف الإرهابيين الذين يتنقلون بين البلدين. كما يسعى المشروع إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريب أفراد الأمن، وتوظيف التقنيات الإلكترونية المتقدمة، ومحاربة التهريب الحدودي بين البلدين.