تعمل الحكومة ضمن سياسة ضمان التوازنات الداخلية والخارجية للبلاد، على ترشيد عمليات الترقية للمستخدمين في المؤسسات والإدارات التابعة للوظيف العمومي بشكل يضمن حق هؤلاء في الترقية القانونية من جهة، وينظم العملية وفق معايير مضبوطة وعقلانية مطابقة للظروف التي تمر بها البلاد، وذلك تكريسا للسياسة الترشيدية البعيدة عن خيار التقشف.. ففي هذا الإطار جاءت التعليمات التي وجّهها الوزير الأول عبد المالك سلال إلى مديرية الوظيف العمومي لتوضح مسعى الحكومة الرامي إلى ضمان تسيير ناجع للمرحلة الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني؛ جراء أزمة أسعار النفط في السوق الدولية، وتكرّس في الوقت نفسه خيارها للمضي قدما في تجسيد التدابير الرامية إلى تعزيز التوازنات الداخلية والخارجية للبلاد، بالاعتماد على سياسة ترشيد الإنفاق العمومي، وضبطه في العمليات الأساسية التي ترتبط بالتزامات الحكومة، وبمبادئها المتصلة بتكريس الطابع الاجتماعي للدولة، بعيدا عن التبذير وعن التقشف ”الذي يؤدي إلى الفقر”، وفقما سبق وأن أكده الوزير الأول عبد المالك سلال. وترجمت الحكومة سياستها هذه في دعوة المؤسسات العمومية والإدارات التابعة للوظيف العمومي إلى تجميد بعض المشاريع المتعلقة بالتجهيز والتي يمكن الاستغناء عنها مؤقتا، على غرار اقتناء سيارات الخدمة إلى غاية السنة المقبلة، فيما رخّصت في المقابل عمليات نقل المستخدمين التابعين للوظيف العمومي، والتي لا يترتب عنها آثار مالية كبيرة، ويتم توجيهها إلى المناصب الشاغرة والمسترجعة، مشددة في هذا الخصوص على ضرورة أن تتم هذه العمليات بشكل يضمن هيكلة جيدة وتوزيعا أمثل للمستخدمين، وذلك بهدف تيسير حركية الموظفين من خلال إعادة توزيعهم. وجاءت التعليمة الأخيرة التي وجّهها الوزير الأول إلى المديرية العامة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، كإجراء تكميلي يضبط عملية ترقية المستخدمين في المؤسسات والإدارات التابعة لقطاع الوظيف العمومي، بعد قرار رفع التجميد عن عمليات الترقية والتحويل الداخلي للمستخدمين، والذي نقلته المديرية العامة للوظيف العمومي والإصلاح الإداري في التاسع أوت الجاري إلى مفتشياتها بغرض تنفيذه. وبموجب التوجيهات المذكورة، تم الترخيص للمؤسسات والإدارات العمومية باستغلال المناصب المالية الشاغرة لإجراء عمليات النقل، كما أكدت المديرية في إطار ضمان السير الحسن للمسار المهني للموظفين، إلى تجسيد عمليات الترقية الاختيارية بعد التسجيل على قوائم التأهيل، مشترطة أن تتم هذه الترقيات عن طريق التحويل التلقائي للمناصب المالية لرتب الانتماء، وكذا ضرورة استيفاء شروط التكوين في حال ما إذا كانت هذه الترقية مقرونة بمتابعة التكوين المواتي. وفي حين تستند عملية رفع التجميد عن الترقيات في المؤسسات والإدارات التابعة للوظيف العمومي على حرص الحكومة بعدم الإضرار بالمسار المهني للموظفين قيد النشاط، والمكرس بموجب القوانين والتنظيمات، فهي، في المقابل، تراعي معيار التمييز بين مختلف حالات الترقية المنصوص عليها في القانون الأساسي للوظيفة العمومية، وتضبط عملية الانتقال في المناصب داخل المؤسسات على أساس الاختيار، والتسجيل في قائمة الأهلية، وكذا التكوين المتخصص الذي يُعتبر أساس التعيين في المناصب المعنية. ويتزامن مسعى الحكومة لترشيد عمليات ترقية المستخدمين العاملين في المؤسسات والإدارات التابعة للوظيف العمومي، مع استفادة عمال هذا القطاع الذي يقارب تعدادهم المليوني عامل، من الزيادات في الأجور المترتبة عن قراري تطبيق التركيبة الجديدة للأجر الوطني الأدنى المضمون تبعا لإلغاء المادة 87 مكرر من القانون المنظم لعلاقات العمل، وكذا مراجعة المنحة الجزافية التعويضية، واللذين يدخلان حيز التنفيذ الشهر الجاري، مع تطبيقهما بأثر رجعي من جانفي 2015، والإشارة إلى أن هذه التدابير التي ترمي إلى تحسين المستوى المعيشي لهذه الفئة من المستخدمين، تُعد من التدابير التي توليها السلطات العليا في البلاد اهتماما خاصا، حيث شكلت أبرز النقاط التي شدد عليها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال استعراضه للتحضيرات الجارية؛ لضمان أفضل الظروف للدخول الاجتماعي المقبل خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير. فيما سبق للوزير الأول عبد المالك سلال أن أكد في تعقيبه عن القرارات والتعليمات التي أعطاها الرئيس بوتفليقة للحكومة خلال هذا الاجتماع، أن الحكومة بصدد ترشيد نفقاتها من أجل اجتياز المرحلة الحالية بحذر شديد، مشيرا إلى أنها اختارت ضمن مسعاها هذا تبنّي فرضية تقليص الاستثمارات العمومية، وفتح المجال للاستثمار الاقتصادي لمواجهة الصدمة النفطية. كما ذكّر برصد حوالي 54 مليار دينار كأثر مالي لتغطية زيادات الأجور المرتقبة في شهر أوت الجاري، مستبعدا كل البعد لجوء الحكومة إلى سياسة التقشف وتخلّيها عن مسار تنمية الاقتصاد الوطني ودعم المكاسب الاجتماعية، والتي ستتواصل، حسبه، باعتماد سياسة ترشيدية.