لا يمكن إدراك أهمية السلم والمصالحة دون العودة بالذاكرة إلى سنوات العشرية السوداء التي انعدمت فيها قيم السلم والتسامح، وحاول فيها المتعطشون للدماء وقطع الرؤوس فرض منطقهم، لكن هيهات، فقد رفض الجزائريون الخضوع لمنطق الظلامية والإرهاب الأعمى وتضامنوا اليد في اليد مع قوات الأمن المشتركة لمحاربة الجماعات الإرهابية إلى غاية القضاء على آخر الفلول. وليحمد الجزائريون الله أنهم خرجوا من هذه المأساة الوطنية سالمين، بالرغم من الخراب والدمار والضحايا الذين افتقدتهم الجزائر ولن تنساهم، رغم طي صفحة هذه المأساة. صحيح أنه منذ عشر سنوات بدأت الجزائر عهدا جديدا لما بعد العشرية السوداء، بتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لإشاعة قيم التسامح بين الجزائريين واستعادة الأمن والاستقرار لربوع الوطن. لكن ذلك لا يعني التغاضي عن جرائم الإرهاب أو التساهل مع الجماعات الإرهابية فالجزائريون انتصروا على الإرهاب وقهروه، والمنتصر له كل الصلاحيات في أن يعفو أو يرفض العفو، فوقع الاختيار على تغليب قيم التسامح لإنقاذ العباد والبلاد. فكما أصبحت الجزائر رائدة في المصالحة الوطنية بتجربتها التي يمكن أن تكون نبراسا للذين يريدون أن يجنحوا للسلم والمصالحة في بلدانهم ضمانا للأمن والاستقرار، فإنها أيضا نموذج في محاربة الإرهاب الذي أصبح ظاهرة عابرة للحدود اكتوت بها معظم بلدان العالم. وخير دليل الإرهاب الذي يعيشه العالم اليوم باسم شعارات دينية مزيفة لا تمت لديننا الحنيف بأية صلة. وبالنظر إلى ما يجري حولنا من تحولات واضطرابات في بلدان كثيرة أصبحت تحت رحمة الجماعات الإرهابية، فإن الجزائريين مطالبون باليقظة والدفاع عن مكسب المصالحة الوطنية لضمان أمنهم واستقرار الوطن، لأنه لا حياة إذا انعدم الأمن والاستقرار ولنا في العشرية السوداء مثال على أن الهمجية لا تقود إلا إلى دمار البلاد والعباد.