لا تعتبر الجزائر البلد الوحيد الذي اتخذ سبيل المصالحة الوطنية طريقا لحقن الدماء، لكن قليلة جدا هي تلك الدول التي تمكنت من تطبيقها بنجاح ولو نسبيا، لذلك تعد الجزائر، بشهادة خبراء دوليين، تجربة رائدة وحتى فريدة في مجال الوئام والمصالحة الوطنية، أصبحت خلال السنوات الأخيرة مرجعية لباقي الدول، خاصة وأنها جاءت بالتوازي مع تركيز كبير لقوات الجيش وكل الأسلاك الأمنية على تجفيف المواقع الإرهابية، بعد أن توالت الضربات الموجعة لأهم رؤوس هذه الجماعات، ووجدت نفسها معزولة تفتقر لكل أنواع المؤونة، بالرغم من سهولة تنقل الأسلحة من دول الجوار، حيث تمكنت المصالحة من دفن الأحقاد واسترجعت الجزائر استقرارها الأمني والتفتت إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. منهج قاري لاستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية قبل 8 سنوات عندما بادر رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بميثاق السلم والمصالحة الوطنية، والذي صوّت عليه الشعب الجزائري بنعم بنسبة فاقت ال85 بالمائة سنة 2005، ورغم التفاف الجزائريين حولها، لم يكن احد ينتظر الوصول إلى هذه النتائج، ولا تطبيق أهدافها بهذه النسبة الكبيرة، طبعا التي عززتها إستراتيجية أمنية محكمة تشهد لها أكبر القوى في العالم، أصبحت من خلالها الجزائر بمثابة تجربة رائدة في مكافحة الإرهاب يطلب دوليا تعميمها على دول الجوار وباقي الدول العربية والإفريقية، وذلك بالموازاة مع نجاح تجربة المصالحة الوطنية التي أصبحت مشروعا متفردا، خاصة وأنها تمت بدون أي تدخل أجنبي، حيث عمدت الجزائر إلى غلق سبل التدخل الخارجي في تطبيق المصالحة الوطنية وترجمتها على أرض الواقع على مراحل. وعلى مر السنين وأمام الاستقرار الأمني الذي تحقق في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، أصبح أنموذج المصالحة الوطنية الجزائرية منهجا أو سبيلا للعديد من الدول العربية والإفريقية من اجل استقرار أوضاعها الأمنية والسياسية وكطريقة مثلى لغلق الطريق على جميع محاولات التدخل الأجنبي، هذا التميز دفع بالكثير من الأطراف للمطالبة بمصالحة شاملة وإلا يقتصر الأمر على المصالحة السياسية، حيث أعطت هذه المصالحة طابع الحوار والتسامح للأوضاع في الجزائر، ومنحتها قوة الالتفات لعجلة التنمية التي كانت قد نامت تماما بعد عشرية سوداء خسرت فيها الجزائر أهم منشآتها القاعدية. المصالحة دفنت الأحقاد والجيش أتم المهمة باحترافية يصف الكثير من المتتبعين لشأن المصالحة الوطنية في الجزائر أن هذه الأخيرة تمكنت من تحقيق أهدافها في وقت قياسي، خاصة وان التجربة صعبة من حيث التطبيق، عزز نجاحها تواصل مجهودات الأسلاك الأمنية المشتركة في دحر وتطهير الجماعات الإرهابية وعزلها، ويصف الخبراء بداية تطبيق أسس المصالحة الوطنية في الجزائر بالمعقدة، غير أنها بقيت الحل المناسب لدفن الأحقاد وفتح صفحات جديدة في الجزائر عنوانها التنمية والمشاريع الضخمة الاقتصادية والاجتماعية، فيما كانت مهمتها الأولى حل الأزمة الأمنية بنجاح. تدابير المصالحة تعيد 15 ألف إرهابي كشفت خلية المساعدة القضائية لتطبيق قانون المصالحة الوطنية، أن 15 ألف إرهابي تخلوا عن السلاح منذ سنة 1999، فيما بلغ عدد الذين سلموا نفسهم للأمن للاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية، التي أعادت الحياة للكثير من العائلات الجزائرية التي استعادت أبنائها المغرر بهم، وحسب الخلية، فإن 6500 سلموا أنفسهم ضمن قانون الوئام المدني، أغلبهم ينتمون لما كان يسمى "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، فيما ان 8500 مشبوه بالإرهاب استفادوا من إجراءات العفو من في قانون السلم والمصالحة الوطنية. من ناحية أخرى، كما أن 24 إرهابيا آخرين كانوا قد سلّموا أنفسهم خلال هذه السنة في مختلف ولايات الوطن، من بينها ولايات تلمسان وسكيكدة وإيليزي وبومرداس وأدرار وخنشلة". هذه الأرقام تشكل تجسيد حقيقي للنتائج الإيجابية للمصالحة الوطنية بعد مرور ثماني سنوات على تبنّي الشعب الجزائري ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بعد أن أقره رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة؛ من أجل طي صفحة العشرية السوداء وتحقيق السلم والاستقرار في ربوع الوطن هل كان يمكن أن نتحدث عن كل هذه المشاريع لولا استتباب الأمن وعودة الحياة مجددا لتعود معها الجزائر دبلوماسيا دوليا قبل أن يكون قاريا واقتصاديا، حيث مكّن الميثاق الجزائر من العودة إلى سكة الاستقرار والأمن، كما بات مرجعا على المستوى الإقليمي والدولي، باعتبار أن تحقيق مثل هذه المصالحة أمر ليس بالهين ولا يمكن الحديث عن نجاحه ولو بشكل نسبي لذا نجد الكثير من الدول تبحث عن الاستفادة من التجربة الجزائرية. القضاء على 190 إرهابي بين جانفي وسبتمبر من السنة الجارية رافق نجاح المصالحة الوطنية تواصل عمليات المكافحة من خلال مجهودات أمنية نوعية عززت التدابير المتخذة وبرزت بقوة في إنجاحها، بعد أن فرضت احترافيتها وتمكنت من تحقيق عمليات نوعية، حيث أصبحت التجربة الأمنية للجزائر في مكافحة الإرهابية مرجعية لأكبر الدول في العالم، وأكدت خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أنه تم ما بين جانفي وسبتمبر الحالي القضاء على 190 إرهابي على المستوى الوطني. وأوضح رئيس الخلية في وقت سابق أن من ضمن هذا العدد المذكور تم القضاء في جانفي الماضي، على 48 إرهابيا من بينهم 29 أثناء مواجهة الاعتداء الإرهابي على الموقع الغازي بتيڤنتورين "عين أمناس - إيليزي"، وقُدر عدد الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم ما بين 1992 إلى غاية 2006، بأزيد من 17 ألف إرهابي، وذلك حسب إحصائيات الأمن والدرك الوطنيين. كما دعا رئيس خلية المساعدة القضائية إلى ضرورة توسيع تدابير هذا الميثاق، ليشمل فئات أخرى من ضحايا المأساة الوطنية، موضحا أن أزيد من 15 ألف شخص استفادوا من تدابير الميثاق، في حين دعا إلى توسيع هذه التدابير لتشمل فئات أخرى من ضحايا المأساة. قسنطيني: «المصالحة حقّقت أهدافها الأساسية» أكد فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في اتصال ل"السياسي"، ان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حقّق 95 بالمائة من أهدافه التي سطرت له منذ البداية. وأضاف المتحدث انه حقّق كل الأهداف المرجوة منه والأساسية التي ترجمت على أرض الواقع خلال السنوات الماضية، وأوضح قسنطيني أن مبادرة ميثاق السلم والمصالحة التي صوت عليها ب"نعم" أكثر من 85 بالمائة من الجزائريين سنة 2005، تعتبر مشروعا مثاليا ومتفردا خاصة وإنها تمت دونما أي تدخل أجنبي. وأضاف قسنطيني بمناسبة ذكرى الاستفتاء على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في 29 سبتمبر 2005، أن المبادرة هذه تعد تجربة إقليمية معترف بها دوليا، فهي محل اعتراف بعدة دول عربية وإفريقية باتت تنتهجها وتحذوا حذوها من اجل استقرار أوضاعها الأمنية والسياسية. واعتبر قسنطيني، تجديد طلب عضوية الجزائر في مجلس حقوق الإنسان في منظمة الأممالمتحدة حقا من حقوقنا، باعتبار أن الأوضاع الآن أصبحت أكثر استقرارا، وأشار قسنطيني إلى أن الجزائر مستعدة لتقديم تجربتها في مجال المصالحة الوطنية لدولة مالي التي تحضر حاليا للانتخابات شهر جويلية المقبل، مشددا على أن الجزائر تهمها وحدة التراب المالي وعودة الاستقرار والأمن لهذا البلد الشقيق دون أي تدخل أجنبي، وشدد قسنطيني على تضامن الجزائر مع الشعب المالي في محنته إلى أن ترجع أسس الديمقراطية والاستقرار لهذا البلد. ودعا رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان مصطفى فاروق قسنطيني إلى التعجيل باتخاذ تدابير تكميلية للمصالحة الوطنية والتكفل بجميع فئات المأساة الوطنية عل غرار معتقلي الجنوب، واعتبر أن العمليات الإرهابية الانتحارية الأخيرة تعكس اندحار الإرهاب وفي سياق آخر، وأوضح قسنطيني أن الأهداف الأساسية للمصالحة قد تحققت في انتظار ما تبقى منها من أمور، فيما بين المتحدث بأن المصالحة أصبحت مثالا للعديد من الدول التي أشادت بها وكيف حقّقت السلام والأمن والاستقرار. ويذكر أن من بين أهم الإجراءات التي حملتها المصالحة الوطنية الرامية إلى استتباب السلم إبطال المتابعات القضائية في حق الأفراد الذين سلموا أنفسهم للسلطات، إعتبارا من 13 جانفي 2000، إبطال المتابعات القضائية في حق جميع الأفراد الذين يكفون عن نشاطهم المسلح ويسلمون ما لديهم من سلاح، والمطلوبين داخل الوطن وخارجه الذين يَمْثُلُون طوعا أمام الهيئات الجزائرية المختصة ولا ينطبق إبطال هذه المتابعات على الأفراد الذين كانت لهم يد في المجازر الجماعية أو إنتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الإعتداءات على الأماكن العمومية؛ إبطال المتابعات القضائية في حق جميع الأفراد المنضوين في شبكات دعم الإرهاب الذين يصرحون بنشاطاتهم لدى السلطات الجزائرية المختصة. محمد السعيد: «المصالحة الوطنية هي أعظم مكسب تحقّق في الجزائر خلال السنوات الماضية» صرح رئيس حزب الحرية والعدالة، محمد السعيد، بڤالمة، أن "المصالحة الوطنية هي أعظم مكسب تحقق في الجزائر خلال السنوات الماضية". وأوضح محمد السعيد خلال تجمع شعبي بقاعة المسرح الجهوي «محمود تريكي» ضم مناضلي تشكيلته السياسية، أن هذه المصالحة الوطنية هي مكسب استراتيجي يجب الحفاظ عليه"، مشيرا إلى أنها "هي التي أعادت الأمن والاطمئنان للمواطن الجزائري مثلما أعادت للبلاد أيضا الجو المناسب للانطلاق في بناء المشاريع وإعادة بناء ما تم تدميره وتخريبه خلال العشرية السوداء". وبلغة وصفها ب"الصريحة"، قال رئيس حزب الحرية والعدالة "لا" لكل الأصوات التي تنادي بإعادة النظر في مشروع المصالحة الوطنية لافتا الى أن هذه الأخيرة أوجدت حلولا ل80 إلى 90 بالمائة من المشاكل التي كانت مطروحة في السنوات الصعبة التي عاشتها البلاد.