لم تجد التبريرات التي ما انفك يقدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزيره للخارجية سيرغي لافروف، نفعا في إقناع الدول الغربية بحسن نوايا بلادهما بعد قرار تنفيذ أولى عمليات القصف الجوي ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وواصل مختلف المسؤولين الغربيين تهجمهم على فيدرالية روسيا بقناعة قيامها بعمليات القصف الجوي لأغراض غير تلك المسطرة لها، وعلى رأسها تقديم دعم عسكري للنظام السوري أهمها بقاء الرئيس بشار الأسد، في سدة الحكم في دمشق. وذهبت مصادر المخابرات البريطانية ضمن هذه المقاربة إلى التأكيد أن 5 بالمئة فقط من الضربات الجوية الروسية استهدفت مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي، بينما استهدفت كل عمليات القصف الأخرى مواقع المعارضة السورية المعتدلة التي تحظى بدعم الدول الغربية وأودى بحياة مواطنين مدنيين. وهو ما ذهب إليه المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكد أن الضربات الجوية الروسية خلّفت مقتل 39 مدنيا و14 إرهابيا 12 من بينهم عناصر الدولة الإسلامية واثنان فقط من عناصر جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة. ولكن ذلك لم يمنع الطائرات الحربية الروسية من مواصلة قنبلتها لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية لليوم الرابع على التوالي استهدفت مراكز القيادة والتدريب التابعة لهذا التنظيم المتطرف في مدينة الرقة، التي جعل منها عاصمة له منذ أن بسط سيطرته على مناطق شاسعة في شمال شرق سوريا. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن عمليات القصف الجوي سمحت أيضا بتدمير مخزن للأسلحة والذخيرة ومركز تدريب بمدينة ادلب في شمال غرب البلاد. ورغم توسيع الطائرات الحربية الروسية لنطاق عملياتها في عدة مناطق سورية، إلا أن ذلك لم يرق لإدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما، الذي شكك في نية نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتهمه ضمنيا بالقيام بتدخله العسكري إلا من أجل منع نظام الرئيس السوري من السقوط. ولكن الرئيس الامريكي بدا حائرا من أمره في كيفية التعاطي مع الأمر الواقع الروسي، وقال مذعنا إنه لا يرى مانعا من إقامة تعاون وتنسيق مع روسيا لمحاربة الإرهاب، ولكن شريطة أن تقبل موسكو بضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد. وهي إشكالية حقيقية بالنسبة للطرفين فلا الرئيس الروسي يريد الحديث في هذه القضية ويرى فيها مسلمة غير قابلة للتفاوض على الأقل في الوقت الراهن، وبنظرة مناقضة تصر الإدارة الأمريكية ومعها كل العواصم الغربية الأخرى بالإضافة إلى تركيا والعربية السعودية ومختلف دول الخليج على حتمية رحيله اليوم قبل الغد، بقناعة أانه ليس طرفا في تسوية بقدر ما هو عائق في تحقيق التوصل إلى توافق سياسي شامل لإنهاء الأزمة السورية بالطرق التفاوضية. ولكن الإشكالية المطروحة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الستين في التحالف الدولي وفيدرالية روسيا، هل بإمكان الغطاء الجوي الذي سخره الجانبان القضاء على مقاتلي تنظيم "داعش" ومعه جبهة النصرة، والكثير من التنظيمات التي ولدت من رحم الحرب الأهلية في سوريا منذ سنة 2011، وأصبح التحكم فيها مستحيلا بعد أن أعلنت ولاءها فقط لأمراء حرب محليين أو لقناعات طائفية؟ وهو تساؤل يفرض نفسه انطلاقا من التجربة الأمريكية في محاربة التنظيم في العراق ثم في سوريا، والتي أكدت على محدودية نتائجها خمسة عشر شهرا منذ بدء عملية ملاحقة عناصر التنظيم الإرهابي في العراق، قبل أن توسع نطاق عملياتها إلى سوريا. وأكدت الضربات على محدوديتها بدليل الانتقادات التي وجهت لروسيا بسبب مقتل مدنيين سوريين من بينهم أطفال، وأيضا بسبب فشل الضربات الجوية في تحقيق أهدافها ما لم تكن مرفقة بعملية عسكرية برية. وهي الحلقة الضعيفة في هذه العملية التي اتخذها الجمهوريون في الولاياتالمتحدة لتوجيه انتقاداتهم للرئيس باراك اوباما، وأعابوا عليه افتقاده للجرأة العسكرية والحزم الذي يستدعيه هذا التدخل، وعدم الاكتفاء فقط بضربات جوية التي كانت شكلت حسبهم عبأ ماليا لوزارة الدفاع والخزينة العمومية الأمريكية.