شكل موضوع البدانة ومخاطر سوء التغذية، محور يوم دراسي، جمع بين مختصي طب الأطفال للمؤسسة الصحية الاستشفائية ‘حسان بادي' بتلاميذ ثانوية ‘محمد هجرس' بالديار الخمس في العاصمة، حيث قدم المختصون نصائح عامة للتلاميذ بهدف لفت انتباههم نحو التغذية السليمة، لإبعاد خطر الإصابة بمضاعفات السمنة التي يشكل السكري وأمراض القلب أخطرها. نبه البروفسور مصطفى خياطي، المختص في طب الطفولة، إلى الخطر المحدق بالصحة العمومية بسبب تنامي معدلات السمنة، وكشف عن أن هيئة ترقية الصحة وتطوير البحث التي يرأسها، قامت مؤخرا بإجراء تحقيق وسط 2012 تلميذا بمتوسطات وثانويات شرق العاصمة، وأظهرت نتائجها أن السمنة تمس 17% من تلاميذ هذين الطورين؛ 5% منهم مصابون بالبدانة المفرطة التي وصفها بالخطيرة، مما يعني أن السلطات الصحية مطالبة بتكثيف العمل التوعوي من أجل ضمان أجيال ناشئة خالية من مضاعفات السمنة التي يشكل السكري أبرزها. ويذكر المختص أن بين 30 إلى 40% من الحالات السرطانية في العالم مصدرها سوء التغذية أو غير المتوازنة، علما أن الجزائر تحصي سنويا قرابة 50 ألف حالة سرطان جديدة، نسبة معتبرة منها تعود إلى التغذية غير الصحية بالأساس، "هذا إذا أضفنا له حوالي 3 ملايين مصاب بالسكري، والمعروف عنه أن النمط الغذائي المشبع بالدهون والمشروبات الغازية من عوامل الإصابة به، أضف إلى ذلك إصابة شخص على ثلاثة أشخاص بارتفاع ضغط الدم، وإذا علمنا أن أسباب الوفاة الأولى في الجزائر تعود إلى أمراض القلب المتعلقة أصلا بالسكري وارتفاع الضغط وسوء التغذية، نجد أن الوقاية من السمنة هي في الحقيقة وقاية من كل هذه الأمراض المزمنة الثقيلة"، يقول المختص. ومن أسباب انتشار السمنة بين الأطفال الأقل من 17 سنة، يأتي الإفراط في تناول السكريات والدهون والمشروبات الغازية على رأس القائمة، وأشارت الأبحاث العالمية إلى أن لترا واحدا من مشروب الكوكاكولا يعادل تناول 14 غراما من السكر دفعة واحدة، فيما أظهرت دراسات ‘الفورام' أن لترا واحدا من عصير ‘رامي' يعادل 15 غراما من السكر، ناهيك عن الانتشار الرهيب لمشروبات الطاقة وسط التلاميذ، خاصة تلاميذ الأقسام النهائية، سواء شهادة المتوسط أو البكالوريا، إذ أن قارورة (كانَتْ) من مشروب ‘ردبُل' تعادل 16 فنجان قهوة "ونحن نعلم أن احتواء القهوة على الكافيين، ينشط القلب وخلايا الدماغ، لكن إذ استُهلكت كميات كبيرة منها، فإن النتيجة الحتمية هي السكتة القلبية"، يضيف خياطي، مشيرا إلى تسجيل مصلحة طب الأطفال بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة ‘حسان بادي'، حالات لأطفال مصابين بالسكري وتعقيدات تظهر في العادة عند الكهول والسبب هو السمنة! "ونؤكد أن هؤلاء الأطفال كلهم مفرطون في تناول الأكل المشبع بالدهون والسكريات، وكميات كبيرة من المشروبات الغازية، منذ أن كانوا أطفالا في 4 و5 سنوات ودون أدنى مراقبة والدية، وهو ما عرضهم للإصابة بالسكري ومضاعفاته الخطيرة وهو في سن ال17. من جهته، تحدث الدكتور طاهر صحراوي عن خطر الملونات والإضافات الغذائية الموجودة تقريبا في كل المواد الغذائية المصنعة، مثل الشكولاطة والحلويات بأصنافها والمثلجات وحتى العصائر والمشروبات الغازية، منبها إلى خطورة الإفراط في تناولها والذي قد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض المزمنة على نحو الربو واضطراب الرؤيا والصدفية وحتى سرطان الدم عند الأطفال أو اللوكيميا الذي وجدت دراسات متخصصة ارتباطه بمضاف غذائي ( E210 acide benzoïque) الذي حرمته العديد من الدول الغربية، "ونتأسف عن وجود قوانين صارمة تضبط استعمال هذه الإضافات والملونات وتسويق منتوجات مستوردة تحتويها، لكنها في الواقع غير مطبقة لنقص فاعلية جهاز الرقابة"، يقول الدكتور صحراوي، مشيرا في محاضرته إلى العلاقة الترابطية بين هذه الإضافات الغذائية وفرط الحركة عند الأطفال الذي بدأ يظهر وينتشر أكثر في مجتمعنا، حيث أظهرت الدراسات حسبه- إصابة 4 أطفال ذكور مقابل طفلة واحدة أقل من 5 سنوات من العمر بمرض فرط الحركة، فيما تظهر ذروة المرض لديهم في 12 سنة "هؤلاء الأطفال ألفوا منذ صغر سنهم تناول الحلويات بأصنافها بشكل مفرط، والشكولاطة والملهيات الغذائية الأخرى المحتوية على نسب عالية من بعض الإضافات والملونات الغذائية، التي تؤثر على مادة الدوبامين في المخ وتبقي الطفل مدمنا عليها إلى سنوات 12 و14 سنة، وهنا ونظرا لنقص تلك المواد، يجنح الأطفال نحو الإدمان بأنواعه ومنه التدخين كبديل وكلنا نعلم مدى خطورة الإدمان"، يشرح المختص. كما قدمت الدكتورة سميشة خياري من نفس المؤسسة الاستشفائية المتخصصة، مداخلة حول تغير النمط الغذائي في مجتمعنا خلال ال20 سنة الأخيرة، قائلة بأن الفرد أصبح يقبل على تناول السكريات والدهون أكثر فأكثر بسبب نمط الحياة وعمل الأمهات وضيق الوقت، ونصحت بأن تتنوع الوجبات الغذائية بين البرويتنات والنشويات والغلوسيدات، إضافة إلى أهمية احترام تناول 3 وجبات رئيسية في اليوم تتخللها وجبتان خفيفتان، كما نصحت بعدم تجاوز الحليب الذي قالت عنه إنه غذاء وليس مشروب، إضافة إلى تناول مشتقاته كالاجبان والزبادي (الياوورت) بمعدل علبتين من الزبادي و300 غرام جبن للفرد الواحد يوميا، دون إغفال المعدل اليومي من الخضر الطازجة وحبة فاكهة، دون نسيان ممارسة الرياضة التي تبقى الحل الأمثل إلى جانب التغذية المتوازنة للاستمتاع بحياة صحية. وفي سياق متصل، ذكرت الدكتورة فاطمة الزهراء بلقايم، أن ممارسة الرياضة تبقى الطريقة الأمثل لحرق الدهون التي يتناولها الأطفال، وعكس ذلك يؤدي بهم إلى الإصابة بالسمنة التي تعتبر مشكل صحة عمومية ليس في الجزائر فحسب، وإنما في كل العالم، فإحصائيات المنظمة العالمية للصحة ل2010 تفيد بوجود مليار طفل يعاني من زيادة الوزن، 42300 مليون منهم يعانون السمنة و42 مليون منهم يعانون الإفراط في الوزن الزائد، بينما 80 % منهم في البلدان المتطورة. ودعت المختصة إلى تشجيع الوقاية لإبعاد شبح الإصابة بالسمنة وسط الأطفال، بالتالي تعقديات صحية خطيرة، عن طريق التخلي عن الوجبات السريعة والأكل المشبع بالدهون والحركة لحرق الدهون، إضافة إلى التشخيص المبكر مرتين إلى ثلاث مرات في السنة عن طريق قياس الطول والوزن وحساب المؤشر الكتلوي الجسمي للطفل، أي أن الوزن مقسم على الطول، فتظهر نسبة البدانة إن كانت موجودة أم لا، ناصحة الأولياء بضرورة مراقبة ما يأكله أولادهم وإبعادهم عن الوجبات السريعة والمشروبات الغازية قدر الإمكان.