تمكن البوركينابيون من اجتياز أهم امتحان ديمقراطي عندما انتخبوا المرشح روك مارك كريستيان كابوري رئيسا للبلاد، في أول انتخابات تعددية، أكدت على نضج سياسي في بلد اشتهر بالانقلابات والانقلابات المضادة وحتى الاغتيالات ليصبح بذلك أول رئيس منتخب ديمقراطيا في هذا البلد منذ استقلاله سنة 1960. وحسم كابوري السباق إلى قصر الرئاسة منذ الدور الأول الذي جرى نهار الاحد ضمن انتخابات رئاسية اعترف منافسوه بنتيجتها النهائية ضمن تزكية لنزاهة الانتخابات وبما يعطيه كل الصلاحيات للاضطلاع بمهمته كرئيس منتخب للبلاد. ولكن الرئيس البوركينابي الجديد مطالب بانتظار نتائج الانتخابات العامة التي تعتمد على النظام النسبي الأكثر تعقيدا بين الأنظمة الانتخابية المتعارف عليها في العالم للتأكد ما إذا كان سيحكم البلاد بهامش مناورة اكبر تسمح له بتطبيق وعوده الانتخابية. وأكبر ما تخشاه السلطات البوركينابية احتمال عودة المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم الذي كان يقوده الرئيس المخلوع بليز كامباوري اللاجئ بدولة كوت ديفوار بالنظر إلى قاعدته الانتخابية المنتشرة خاصة في المدن الصغيرة والقرى النائية مما قد يجعله يحدث المفاجأة في هذه الانتخابات ويخلط على الرئيس الجديد حساباته السياسية. يذكر أن المرشحين المحسوبين على النظام السابق منعوا من دخول سباق الانتخابات الرئاسية وسمح لهم فقط بخوض الانتخابات العامة مما جعل النتيجة النهائية لهذه الانتخابات بمثابة لغز زاد في درجة الترقب في البلاد. وحصل الرئيس الجديد على أكثر من 53 بالمئة من أصوات 5,5 ملايين ناخب متقدما عن منافسه المباشر زفرين ديابري الذي حل ثانيا بحوالي 30 بالمئة من أصوات الناخبين. وتمكن الرئيس الجديد من تحقيق هذه النتيجة بفضل الدعم الذي قدمته له أكثر من عشرين منظمة وجمعية من نشطاء المجتمع المدني التي قادت الحراك الشعبي ضد الرئيس كامباوري العام الماضي وأرغمته في النهاية على التنحي مكرها والفرار الى كوت ديفوار. واعتبر العديد من المحللين السياسيين في بوركينا فاسو انتخابات الأحد الماضي أنظف انتخابات تعرفها إفريقيا وان الناخبين في هذا البلد بانتخابهم للرئيس كابوري اختاروا الواقعية السياسية لتسيير مرحلة ما بعد كامباوري لأنهم لا يريدون قطيعة نهائية وفضلوا انتهاج المرحلية لتحقيق انتقال سياسي سلس لتفادي أي قطيعة "عنيفة" قد تنعكس على الوضع العام في هذا البلد الإفريقي الفقير. وأكد الرئيس كابوري أن هذه الانتخابات تعد "يوما تاريخيا" لأنها قطعت كل صلة لنا بالنظام السابق واعدا بإجراء "تغيير فعلي في البلاد" من أجل إتاحة فرص من أجل غد أفضل". يذكر أن الرئيس كابوري كان من أكبر مساعدي الرئيس الفار وعمل معه طيلة 26 عاما تقلد خلالها منصب رئيس للوزراء ورئيس للبرلمان ولكنه بمجرد أن أدرك أن أيام رفيق دربه أصبحت معدودة على رأس الدولة البوركينابية تخلى عنه وانتقل الى صف المعارضين له. يذكر أن انتخابات الأحد الماضي كانت مقررة ليوم الحادي عشر أكتوبر الماضي ولكنها تأجلت بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي قاده رئيس هيئة أركان الجيش واحد الموالين للرئيس المخلوع في 17 سبتمبر بعد أن خرج متظاهرون إلى شوارع العاصمة واغادوغو ومدينة بوبو ديولاصو رافضين الاعتراف بشرعية الانقلابيين قبل أن تتحرك وحدات من الجيش التي بقيت مع الشرعية باتجاه القصر الرئاسي وأرغمت الانقلابيين على الرحيل. وإذا كان الرئيس الجديد قد طوى صفحة نظام الرئيس الفار بليز كامباوري وصفحة الانقلابات في هذا البلد إلا انه سيجد صعوبات جمة في طي صفحة التخلف والفقر الذي يتخبط فيه الشعب البوركينابي. وينتظر الرئيس البوركينابي الجديد مشاريع ضخمة لإخراج بلاده من دائرة الفقر المدقع والتخلف البائن في احد أكثر بلدان العالم تخلفا وهو ما يجعله أمام امتحان عسير من اجل الإيفاء بوعوده الانتخابية وخاصة ما تعلق بإخراج الشباب البوركينابي من متاهة البطالة التي يتخبط فيها وتحسين الخدمات في قطاع صحي متهالك.