يمسك المخرج يحيى بن عمار من خلال مسرحية "اللاز" العصا من وسطها في موضوع بداية الثورة التحريرية، التي عرفت تصدّعات تحدّث عنها الروائي الراحل طاهر وطار في روايته "اللاز"، ونهل منها محمد بورحلة ليقتبس نصا مسرحيا أنتجه مسرح سوق أهراس الجهوي، حيث عمد المخرج إلى أن لا يدين أحدا ولا يروّج لفكر ما وإنّما سما بفكر الثورة على كلّ الصراعات الشخصية. قدّم المخرج المسرحي يحيى بن عمار مقاربة موضوعية ربما تبدو خطيرة لكنها تحتكم للمنطق، فالحديث عن خيانة الإخوة المجاهدين يعدّ حظرا لا مجال للخوض فيه، لكن "اللاز" خاض، إذ جاء المتن الدرامي للعمل وسط سينوغرافيا قابلة للتفكيك، كانت بمثابة دعامة قوية للنص، وبدأ بمشهد شخصية "اللاز" الذي رفع ستار المسرح بصعوبة قد يوحي الأمر لصعوبة فتح صفحات قديمة من تاريخ الثورة التحريرية، يظهر وسط الخشبة منصة معلم تذكاري للشهداء، ما لبثت أن صعدت أسلحتهم إلى الأعلى، وينزل كل واحد لتبدأ القصة، قصة اختلاف أساسها الشك، أسفرت عن صراعات محتدمة وتصفية جسدية ولكنها لم تنل من الثورة قيد أنملة.وظهر المجاهدون بزي الثوار بلون رمادي، يمكن قراءتها كشكل من أشكال الحياد الذي حرص المخرج على تقديمه. وفي نسق درامي متوازن الإيقاع، تشتغل الشخصيات في قلب الخشبة بحركات محسوبة مع فحوى النص، يتنصل منه خيط رفيع عن شكوك بخصوص نجاة كتيبة واحدة من معركة خاسرة ضد الاحتلال الفرنسي، سرعان ما انتهت بإدانة قائدها بالخيانة في محاكمة شكلية لا يمكن أن تستوفي شروط العدل، ذلك أنه لم يسمح بالاستماع للطرف الآخر من القضية ثم استمعوا لجزء صغير من اعتراف "سي جمال"، قائد تلك الكتيبة، الذي قتل دون مواصلة تبريره إلى جانب قتل مسؤوله المباشر "سي زيدان" على خلفية الشك فقط.يحيل العمل المسرحي لطرح العديد من التساؤلات العميقة، ترصد عن قرب نوعية الأشخاص الذين حملوا الثورة على أكتافهم، وحلموا بمناصب فور نيل الاستقلال، تراوغ بعض من الأنانية مبدأهم الواحد في أنّ جبهة التحرير هي القائد وليس أي شخص بعينه، تختلف الأفكار والقناعات لكن هل تعد فعلا خيانة؟ وهل الخيانة هي تهمة تلتصق في من يخالف القائد؟. وبين رفض فكرة الخيانة وتقديس الأشخاص، واحترام المبادئ على تعددها، يتطرق المخرج إلى الفكر الشيوعي الذي تبناه النظام الاشتراكي، وبعض الثوريين الكبار، تجلى في لوحة رفع المنصة ورسم "سي زيدان" علم الاتحاد السوفيتي سابقا، النجم والمطرقة والعصا ويصوّره منتشيا بمجد هذا التيار القوي الذي وقف في وجه الرأسمالية، لكن ذلك العلم ما لبث أن وقع، وانتهى كل شيء وبقيت الأسئلة في الأذهان، بيد أن المشهد الأخير ل«سي زيدان" له قراءة إيجابية في آخر المطاف، إذ يقول "لا يهم كيف مت وإنما المهم أن تستمر الثورة حتى الانتصار". أما شخصية "اللاز" ابن "سي زيدان" فكانت شخصية قريبة للجنون، لكن الحكمة كانت تخرج من فمه، فكثيرا ما كان يقول المثل الشعبي "ما يبقى في الواد غير حجارو"، وكان بمثابة صدى كلّ شخصية من الشخصيات المقدمة. وينتهي العرض كما بدأ فيعتلي كل واحد المنصة ليعود شكل التمثال التذكاري لشهداء الثورة.واستعان يحيى بن عمار بتقنيات سينوغرافية عديدة على غرار الظل، واللعب على المنصة الحمراء التي عرفت عدة مواضع، إضافة إلى الإضاءة المكشوفة في معظم أطوار العرض، وموسيقى أوراسية في البداية، نقلت المتلقي إلى أجواء خاصة، كما أن أداء الممثلين السبعة كان موفقا، وبإمكانه أن يكون أكثر توفيقا بسبب تعثرهم في بعض الوصلات.