"المجاهدات بطلاتنا" هو عنوان معرض الصور المُقام حاليا بالفضاء الثقافي "بشير منتوري" لمؤسسة "فنون وثقافة"، إلى غاية السادس من مارس المقبل، ويضمّ 31 صورة عن مجاهدات جزائريات مرفقة بسيرهن الذاتية، عرفانا بما قدّمناه لغاية أسمى، ألا وهي تحرير الجزائر. تحتفل مؤسّسة "فنون وثقافة" باليوم الوطني للشهيد، وبهذه المناسبة نظّمت أكثر من نشاط، من بينها معرض للصور لمجاهداتنا الفذات اللواتي لم يدخرن أدنى جهد ولم تثبطهن أيّة عزيمة لأداء واجبهن للظفر بالاستقلال، فها هن يرافقن الرجال في مهام عُدّت بالمستحيلة، إلا أنها تحققت في الميدان لأن الحق ينتصر دوما ولو بعد حين. والجميل في هذا المعرض، صور المجاهدات أثناء أدائهن للواجب وصور لحالهن في الوقت الحاضر، وإن كان الزمن غيّر من شكلهن وهو ما يعتبر أمرا طبيعيا، إلا أن نظراتهن الثاقبة لم يطرأ عليها أي تحوّل، فهي تؤكّد على شبابهن الروحي والثائر الذي لم يخمد أبدا. وها هي صورة للمجاهدة فطيمة الملقبة بلويزة أوداران، تُظهرها جالسة في بيتها بهدوء والابتسامة لا تفارق ثغرها وكأنّها تخفي الجهاد الذي خاضته في السابق، من خلال تكليفها بالاتصال بين الولاية الثالثة والمنطقة الثانية والولاية الرابعة، حيث بدأت وهي لا تتجاوز السادسة عشر من عمرها في نقل الأسلحة والوثائق لتحقيق الاتّصال بين المجاهدين المتواجدين في العاصمة ونظرائهم القابعين في الجبال، لكنّه تمّ اعتقالها رفقة أخيها ووالدتها بعد أن سجن والدها مسبقا، ونقلت إلى سجن الحراش، ثم إلى حبس بربروس إلى غاية ديسمبر 1958، وواصلت المجاهدة نضالها وحكم عليها أكثر من مرة، كما قامت أيضا بإنشاء ورشة لصنع الأزياء العسكرية. أما المجاهدة زكية خناف بوضيوف، فقد كانت تنتمي إلى قلّة من الجزائريات اللواتي حصلن على شهادة التمريض، حيث قامت بمداواة الجرحى من المجاهدين، كما عملت أمينة لتوفيق المدني حين كان سفير الجزائر بمصر، وهناك تعلّمت اللغة العربية، وتظهر في اللوحة المخصّصة لها شامخة تنظر إلى الأفق وكأنّها تحاول أن تلحظ أطياف الشهداء التي لحقت بالرفيق الأعلى، وهي الآن في جنة الخلد. نجد أيضا لوحة تحمل صورتين للمجاهدة مليكة لامري، وهي المجاهدة التي كُلّفت بوضع القنابل بعد أن زُجّت واضعات القنابل في السجن، لكنها اعتقلت سنة 1957 من طرف المظليين وتعرّضت للتعذيب، ومنه سجنت لأربع سنوات ونصف سنة ولم تتمكّن من رؤية أطفالها الذين أرسلوا إلى فرنسا إلاّ سنوات بعد الاستقلال. من جهتها، تبرز صورة المجاهدة زليخة بكادور ملامحها بوضوح، عكس صورتها حينما كانت شابة، ويظهر عليها الشعور بالرضا النفساني والراحة التي تنمّ بعد أداء الواجب، حيث تعتبر المجاهدة أوّل منتخبة في المكتب التنفيذي للاتّحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بجامعة الجزائر، ثم التحقت بصفوف الثورة، حيث تكفّلت بأمانة الولاية الخامسة لتسجن سنة 1957. وبما أنّ قضية تحرير الجزائر إنسانية، لم تتردّد جزائريات من أصول أوروبية في الالتحاق بدرب النضال، مثل المجاهدة إيفلين لافالات التي توفيت سنة 2014، حيث ناضلت في جبهة التحرير الوطني التي سرعان ما كلّفتها بمهمة الاتصال، وكتبت على الآلة الراقنة رسالة الشهيد أحمد زبانة التي وجّهها لوالديه، اعتقلتها شرطة الاحتلال سنة 1956 وتعرّضت للتعذيب، وبعد الاستقلال ارتبطت إيفلين بالصحافي عبد القادر سفير، وتمّ انتخابها نائبا في البرلمان الجزائري مرتين في 1962 وسنة 1964، واشتغلت بوزارة العمل والضمان والاجتماعي إلى غاية إحالتها على التقاعد، وصدرت لها مذكراتها حول كفاحها، إلى جانب الشعب الجزائري. أما بهية لامس بنالي، فقد تزوّجت سنة 1952 وكانت رفقة زوجها يحرّران المنشورات ويستقبلان المجاهدين في بيتهما، لكنهما اضطرا إلى الالتحاق بالجبل أي بالكفاح بعد أن اكتشفها أمرهما، وبعد الاستقلال قاما بتنظيم عودة الجزائريين إلى بلدهم وأصبح منزلهما الكائن بالبليدة مأوى للاجئين. للإشارة، تستمر فعاليات هذا المعرض إلى غاية السادس من مارس، مع ملاحظة أنه لم يتم ذكر وفاة المجاهدة ايفلين لافالات، مثلا، حيث كتب أنها ما تزال تعيش في المدية، رغم أنها توفيت سنة 2014، لهذا من الضروري التأكّد من المعلومات حول المجاهدات اللواتي جازفن بحياتهن لنصرة البلد.