يعتقد الإعلامي احسن خلاص مدير يومية "الجزائر" أن قلاع الصحافة المكتوبة الورقية سوف لن تصمد، سواء كان ذلك عاجلا أو آجلا، ومعركة الانتشار واستقطاب الجمهور ستحسم في الأخير لصالح عالم الرقمنة والشبكة العنكبوتية التي رمت بخيوطها في أنحاء العالم، ويرى في هذا الحوار المقتضب أن الصحف الورقية تحاول التكيف مع التطورات الرقمية، لكنها محاولة فاشلة المقاييس، وأنها أرادت مقاومة العزلة من خلال هذه المواقع، إلا أن هذه الأخيرة تساهم في الموت البطيء للصحافة الورقية. ❊ هل ترى أن الصحافة الورقية في الجزائر ستصمد طويلا أمام الثورة التكنولوجية والتصفح الالكتروني؟ ❊❊ في اعتقادي، لا تملك الصحافة الورقية الكثير من الحجج من أجل الصمود أمام زحف الرقمنة، بل إن عوامل عدة تقف ضد إمكانية هذا الصمود.. صحيح أن التعامل مع الرقمنة لم يعمم بعد على جميع الفئات الاجتماعية واللجوء إلى تصفح الجرائد الورقية لا يزال قائما، بالرغم من أن عهد التباري حول عدد النسخ المطبوعة بين كبريات الجرائد قد ولّى، إلا أن الذي يلاحظ الوتيرة المتسارعة لتطور الرقمنة يدرك أن قلاع الصحافة الورقية ستدك عاجلا أم آجلا، يضاف إلى هذا التطور غير المتكافئ، أن تكلفة إنتاج الصحف الورقية أضحت في تزايد بالرغم من دعم الدولة للورق المستورد، خاصة أن القارئ أصبح لا يرضى إلا بنوعية رفيعة من الورق، كل المؤشرات تدل على أن المعركة ستحسم لصالح الرقمنة ليس في الجزائر فقط، بل في كل بلدان العالم. ما حدث لصحيفة "الإندبندنت" التي تعد معلما تاريخيا قد أعلنت عن آخر سحب ورقي لها، مؤشرا على نهاية عهد وبداية عهد آخر، بمعنى أن هناك صحفا أخرى ستتبع إلى غاية اليوم الذي لن تقع فيه الصحف الورقية إلا بين أيدي المؤرخين والباحثين في الأرشيف. ❊ هل تلمس تخوفا لدى الناشرين بشأن هذه "الطامة التكنولوجية" التي لم يستفد منها إلا متعاملو الهاتف وتجار الأجهزة الذكية؟ ❊❊ التخوف من التغيير طبيعة في البشر، غير أن هذا التخوف لن يغير من الواقع شيئا، وعلى الناشرين أن يتكيفوا مع مستجدات المرحلة وما ينبئ به المستقبل، وما دامت التشريعات لم تتغير بخصوص ضرورة إدراج الإعلانات العمومية في الصحف المكتوبة، فإن الأمر قد يبقي على شيء من الاطمئنان، لكن إذا أقرّت الحكومة حرية الإشهار العمومي فستكون ساعة الصحافة الورقية قد قامت ولن تجد من ينعشها أو ينقذها من الموت، حينها لن يكون للصحافة الورقية النصيب الأوفر، وهناك مؤشرات تدل على ذلك نراها في واقعنا الحالي، فما بالك إذا أخذت الأمور منحى يتيح حرية الإشهار؟ وفي اعتقادي ليست الهواتف الذكية والأجهزة المعلوماتية هي التي ستنافس الورق فقط، فحتى اللوحات الكبرى في الطرق والأماكن العمومية، ناهيك عن القنوات التلفزيونية والإذاعية. ❊ هل المواقع الإلكترونية الرسمية للصحف المكتوبة والتفاعلية والبوابات كفيلة بحل المشكل أو حتى التخفيف من وطأته، لتعويض خسائر المرتجعات، بعد أن لجأت كبريات الجرائد الوطنية إلى خفض عدد النسخ المطبوعة؟ ❊❊ تعتبر مظهرا لمحاولة تكيف الصحف مع التطورات الرقمية، لكنها محاولة فاشلة المقاييس، إذ أن المواقع الإلكترونية للصحف وحتى امتداداتها في مواقع التواصل الاجتماعي لم تنقذها بقدر ما ساهمت في غرقها، حيث ساهمت في تزايد الإقبال على الأجهزة الرقمية، أي في توسيع جمهور الرقمنة، ووضعت محافظ زبائنها تحت تصرف الحوامل الإلكترونية بدل الأكشاك. لم يعد الجمهور اليوم مخيرا بين الورق والجهاز الرقمي مادامت المادة الموجودة على الورق موجودة أيضا في الجهاز.. صحيح أن الصحف أرادت مقاومة العزلة من خلال هذه المواقع، إلا أن هذه الأخيرة تساهم في الموت البطيء للصحافة الورقية. ❊ هل تستعد مؤسسات الصحف الورقية لمواجهة الخطر وتكييف نشرياتها وفق المعطيات الجديدة؟ ❊❊ الهوة لا تكمن في طبيعة الحوامل التي يطلع من خلالها الجمهور على الخبر والمادة الإعلامية بشكل عام، إنما هناك عوامل أخرى وهي الآنية والسرعة وتسارع الأحداث والترقب والتطلع المستمر على المزيد من الأخبار حول الأحداث فور وقوعها. لن تجد الصحافة الورقية من ينتظر صدورها في اليوم الموالي ليطلع على أحداث الأمس، لا يمكن للصحافة الورقية أن تنافس الرقمنة في بث وإذاعة الخبر والتعامل الفوري مع الأحداث، لكن يمكن أن تستثمر في جانبين على الأقل وهما الصحافة الجوارية، إضافة إلى الصحافة التوثيقية التي تعمق النقاش في ما وراء الأحداث.