تتحول محلات الصناعة التقليدية بالعاصمة في هذه الفترة من السنة، إلى مقصد مهم للمغتربين الذين يبحثون عن هدايا وقطع تذكارية مميزة لتقديمها إلى أهاليهم أو الاحتفاظ بها في بيوتهم، كقطع منفردة تعكس التقاليد الجزائرية باعتبارها تقليدية مصنوعة محليا وترمز إلى الهوية. تتعدد المحلات المختصة في بيع المنتجات التقليدية التي يزخر بها الوطن، قطع تفنن حرفيون في صناعتها بأدوات بسيطة، تختلف بين القطع النحاسية، السيراميك، الخشب والزجاج المبلور، وغيرها من الحرف اليدوية التي تعكس جانبا من عادات وتقاليد تفنن الحرفي في المحافظة على أصالتها، في حين أبدع البعض الآخر في إدخال لمسات جديدة عليها دون المساس بجوهرها العتيق. يتميز فصل الصيف بإقبال المغتربين وكذا الأجانب من مختلف الدول، لتعرف العاصمة حركة غير عادية خلال أيامها الصيفية، حيث يكثر المتجولون والسياح بين محلات العاصمة للبحث عما هو "جزائري الصنع"، ويبحث السائح خلال التجوال عن منتجات تنفرد في صناعتها عن المنتجات الأخرى، كنوع من "البرهان أو الإثبات بأنه زار الجزائر ونقل قطعة خاصة به منها، فيبقى اقتناء المنتجات التقليدية سمة تطبع معظم المغتربين والأجانب لتقديمها كهدية مميزة لقريب أو حبيب أو حتى جار. انتقلت "المساء" في جولة إلى بعض تلك المحلات المنتشرة في شارع العربي بن مهيدي، محلات زينت واجهتها بقطع تقليدية تسافر بزائرها إلى أيام زمان، بفضل تلك الزرابي العتيقة المعلقة بالمدخل، والقطع النحاسية التي نجح القائمون على المحل في تزيين الواجهة بها، صينيات تتربع على مائدة خشبية منقوشة، بعض كؤوس الشاي الملونة يتوسطها إبريق نحاسي جميل، فوانيس نحاسية أضاء بها صاحب المحل دكانه، رائحة القش الممزوجة بالقطران والخشب أعطت للمحل رائحة مميزة طيبة، تنفرد بها عن باقي المحلات، زراب ملونة من الصوف مبسوطة على الأراضي، لا يخرج الزبون من تلك المحلات إلا ويعجب بقطعة معينة أسرته ودفعته إلى مساومة سعرها واقتنائها والخروج مسرور بها. تعج تلك المحلات وإلى غاية شهر سبتمبر، كما أكد العديد من التجار، بعدد كبير من الزوار الذين أثار إعجابهم جمال ما جادت به أنامل الحرفيين من شتى الولايات، والذين استلهموا إبداعاتهم من وحي التراث، حيث تستوقفهم بتلك المعارض جمالية المعروضات التي تباينت بين الحلي التقليدية والمنتجات الجلدية وتحف خشبية لصناديق تعود إلى العهود الغابرة، حيث كانت تستخدم في منازل القصبة العريقة لتخزين الفتاة جهاز عرسها، إلى جانب عرض التجار لقطع من السيراميك البيضاء ذات الطابع الهادئ تعكس تقاليد قسنطينة، وأخرى زينة بالرموز الأمازيغية الملونة، إلى جانب أوان من الطين والرمال الصحراوية. فضاء كبير وضع تحت تصرف الأجانب والمغتربين لاقتناء هدية السفر التي ينتظرها الكبير والصغير عند العودة إلى الوطن، هو الطابع الذي رصدناه لدى عدد من زوار تلك المحلات، الذين أكدوا لنا أن اقتناء هدايا من تلك المحلات ليس خياريا وإنما عادة لا يمكن تجنبها، فتلك القطع الفنية تثير اهتمام الكبير والصغير، إذ تتميز بجمال خاص بتلك المنطقة ويعكس روحا خاصة بها. من جهته قال عبد الغني، بائع بإحدى المحلات في نفس الشارع؛ إن زوار معارض الصناعة التقليدية وكذا المحلات المفتوحة على مدار السنة، يتطلعون من وراء زيارتهم لتلك الأجنحة، إلى البحث عن تحف فريدة من نوعها، فهم يؤمنون بأن التحف الفنية لا يمكن تعويضها، الأمر الذي يجعل هذه التجارة تنتعش بشكل واضح خلال فصل الصيف، مشيرا إلى أن عمل الحرفيين يتضاعف خلال هذا الموسم من السنة، حيث يحاول كل مختص تأمين عدد كاف من القطع لتلبية الطلبات المتزايدة، إذ قال: "نتعامل بشكل كبير مع الحرفيين الذين لديهم ورشات عمل كبيرة بأعالي العاصمة، فالأمر يجعلنا نوفر عددا كافيا من القطع التي يطلبها الزبون، في حين نتعامل بشكل خاص مع حرفيين معروفين بصنعهم للقطع الفريدة، ورغم أن هؤلاء يصعب التعامل معهم، خصوصا أن لهم طابعا مميزا، وهو تفضيلهم التعامل مباشرة مع الزبون ولا يحبون فكرة الوساطة، أي الشراء من أجل إعادة البيت، فذلك بالنسبة لهم يفقدهم سحر القطعة، إلى جانب رغبتهم في التعريف بنفسهم أمام الزبائن كطريقة لقول؛ "أنا صانع هذه القطعة الفنية".