لا يزال الجزائري المغترب الزبون الأول الذي ينعش الصناعة التقليدية المحلية، حيث يقتنيها كذكرى له من وطنه الأصلي بأسعار معقولة، ويبقى النحاس والجلد المفضلين بالنسبة له، هذا ما كشف عنه عدد من باعة الصناعة التقليدية بساحة بور سعيد. في جولة ميدانية ل”المساء” إلى بعض نقاط بيع التحف التقليدية التي يتفنن الحرفي الجزائري في صناعتها بطرق تقليدية، كانت ساحة “السكوار” أول وجهة لنا، أين يوجد العديد من الشباب العارض لمختلف أنواع الحرف من أوان تقليدية، حلي فضية وأخرى نحاسية، محافظ جلدية، مجسمات سفن، لوحات فنية من الرمال..، بأسعار لا تغطي حتى تكاليف تعب الحرفي الذي نحتها بكل عناية بأنامله لساعات طويلة، ليبعث فيها روح التراث الوطني. أوضح لنا بعض العارضين أن وجودهم بهذه الساحة التي خصصتها بلدية الجزائر الوسطى، هو للحفاظ على المنتوج التقليدي الذي يتنوع بين صناعة التحف، الألبسة، الحلي وغيرها، وأشار بعضهم إلى أن انخفاض الأسعار راجع إلى كونها محلية الصنع. الحرفي الشاب عبد المؤمن أوضح لنا أن الصناعة التقليدية تشهد تراجعا كبيرا بسبب الثقافة الاستهلاكية التي يعتمدها الجيل الحديث، مما دفع فيدرالية الحرفيين بالتنسيق مع بلدية الجزائر الوسطى، إلى تنظيم العديد من المعارض عبر مختلف البلديات بغية حمايتها من الاندثار، كما أشار إلى أن الشاب يعزف عن اقتناء هذه السلع بسبب الغزو الاقتصادي للمنتوجات الصينية التي تعد أقل سعرا مقارنة بالصناعة المحلية. بعض هذه المنتجات التقليدية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهو أسلوب جديد اعتمده الحرفي للتماشي مع ذوق الزبون، إلا أن بعض الحرفيين في هذا الوقت من السنة يفضل جمع منتجاتهم التقليدية وعرض بدلها سلع أخرى أكثر طلبا، منها ساعات، حقائب اليد والعلب الموسيقية كلها مستوردة. وأوضح السيد عبد المؤمن أن 90 بالمائة من الزبائن المقبلين على اقتناء السلع الحرفية التقليدية هم من المغتربين، إذ عادة ما تكون خياراتهم المفضلة الجلود واللوحات الرملية التي يقدمونها كهدايا للأجانب قصد تعريفهم بجمال المنتجات المحلية الجزائرية، كما أن المواطنين من الولايات الأخرى يحبون هذا النوع من الصناعة، والدليل على ذلك أن هذه التجارة تنتعش خلال العطل المدرسية الربيعية والشتوية، فيما تبقى نسبة الأجانب قليلة، أغلبيتهم من السلك الدبلوماسي، أو العاملين في المشاريع الجزائرية الكبرى، مثل الصينيين أو الإسبانيين. بعض المواطنين أبدوا استحسانا لما هو معروض، لأنهم يرون أن ازدهار الصناعات إحياء للتراث الجزائري، إلا أن إقبالهم عليه أصبح مناسباتيا، هذا ما أشارت إليه الآنسة مهدية طالبة بالجامعة المركزية، صادفناها متجولة في الساحة تسأل عن أسعار بعض المنتجات، مشيرة إلى أن هذا النوع من الصناعات الحرفية ينتعش اقتناؤها خلال المواسم والأعياد فقط، على غرار رأس السنة، حفلات الزفاف وحفلات الميلاد لتكون بذلك هدايا مميزة.. من جهة أخرى وفي محل غير بعيد عن ساحة بور سعيد، دخلنا إلى دكان بشارع العربي بن مهيدي، للوهلة الأولى تظن أنك في عالم من الخيال، مغارة علي بابا بكل المقاييس، استقبلتنا رائحة مميزة للجلود الممزوجة بالصوف والطين تعكس بذلك انتعاش التراث الوطني الغني بالتحف التقليدية. وبألوان ترابية ومزركشة، تفنن البائع في عرض هذه السلع بتعليقها على الجدران ووضع بعض الزرابي على الأرض للفت انتباه الزوار وجلبهم، وفي ركن من الدكان خصص صاحبه زاوية لعارضة زجاجية رتب داخلها مختلف الحلي النحاسية والفضية اللامعة والمرصعة بالأحجار شبه الكريمة، حدثنا متأسفا لأن بعض الزبائن يفتقدون لثقافة شراء التحف التقليدية والمنحوتات، خصوصا أنها تعرف تراجعا كبيرا بسبب المنافسة الصينية التي تغزو الأسواق الجزائرية بمواد بلاستيكية وحديدية تباع بأثمان منخفضة مقارنة بالتحف اليدوية، زيادة على أن البعض لا يتمتعون بثقافة الاحتفاظ بهذه التحف من باب المحافظة على الإرث الحضاري، وهذا ما يجب خلقه من خلال تشجيع فعل الشراء لهذه التحف اليدوية، ومنه تشجيع السياحة التي تعتبر محفزا ومنعشا للاقتصاد الوطني، مضيفا أن الصناعة التقليدية تعاني من مشكل التسويق الذي يعد من أكبر العراقيل التي يعاني منها الحرفيون الجزائريون، كما عبر محدثنا عن استيائه الشديد من معارض الصناعة التقليدية التي تقام بساحة البريد المركزي في شهري جويلية وأوت، حيث ينتظرهما الحرفي من أجل تسويق بضاعته للزوار الوافدين من الولايات المجاورة وخارج الوطن، مما يؤدي إلى تكدس منتجاتهم. ورغم العراقيل التي يوجهها أصحاب الحرفة، هناك من يؤمن بهذه الصنعة التي يتوارثها في أغلب الأحيان أبا عن جد أو من أحد الأقارب أو من مراكز التكوين المهني، لذا ترتبط هذه المهنة بالعاطفة أكثر دون أن تستثني الطابع كون معظم الحرفيين يتخذونها كمصدر رزق كغيرها من المهن الأخرى، لهذا تبقى المحافظة عليها أمرا ضروريا لتفادي زوالها.