أكد نواب بريطانيون أمس، أن التدخل العسكري البريطاني في ليبيا عام 2011، بأمر من رئيس الوزراء السابق ديفيد كامرون، استند إلى معلومات مخابرات خاطئة وعجّل بانهيار البلد الواقع في شمال إفريقيا سياسيا واقتصاديا. التقرير حمّل كامرون صراحة مسؤولية الأزمة في ليبيا كونه لعب دورا "حاسما" في الوضع الذي آلت إليه، لتتدعم بالتالي قائمة الدول التي أقرت بخسارتها الرهان في هذا البلد، وفي المقابل تأكدت صحة مقاربة الجزائر التي نبّهت منذ البداية إلى خطورة التدخل العسكري في هذا البلد بسبب مصالح شخصية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي رفع لواء الحرب على نظام معمّر القذافي باستخدام الطائرات المقاتلة لدحر قواته. كريسبين بلانت، رئيس اللجنة وعضو في حزب المحافظين الذي ينتمي إليه كامرون قال "إن تصرفات بريطانيا في ليبيا جزء من تدخل لم يكن نتيجة تفكير سليم ولا تزال نتائجه تظهر اليوم.. تأسست السياسة البريطانية في ليبيا قبل وأثناء التدخل في مارس 2011، على افتراضات خاطئة وفهم ناقص للبلاد والموقف". الرئيس الأمريكي باراك أوباما، سبق أن أكد مؤخرا أن حلفاءه الأوروبيين انشغلوا عن الأزمة الليبية بعد التدخل. قبل أن يستدرك مكتبه بالقول إنه لم يقصد انتقاد كامرون. في حين أوضح أن فشل واشنطن في الاستعداد لمواجهة ما يحدث في ليبيا بعد انهيار نظام القذافي، يشكّل أكبر فشل لإدارته خلال فترتي ولايته وأن أكبر خطأ في السياسة الخارجية لبلاده هو التدخل العسكري في هذا البلد. أكثر من ذلك اعترف أوباما، بأن الأخطاء في السياسة الكبرى تأتي أحيانا بسبب النّقص في المعلومات الموثوقة والمدقّقة، مؤكدا أن رئيس الولاياتالمتحدة نفسه يضطر أحيانا لاتخاذ القرارات انطلاقا من افتراضات وليس من معلومات مدقّقة، لافتا إلى أن التحالف الدولي الذي أيّد المعارضة المسلّحة المناهضة للقذافي، فشل في تأمين الاستقرار في البلاد ومساعدة الليبيين في تشكيل حكومة جديدة. اعتراف الرئيس الأمريكي بهذا الفشل جاء بعد سلسلة الانتقادات التي أثارتها منظمات وهيئات دولية، فضلا عن دوائر سياسية أمريكية وصفت هذا التدخل بالخطأ الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها رغم تحذيرات الجزائر من مغبتها، مثلما جاء منذ عامين على لسان الخبير الأمريكي المختص في الإرهاب السيد دافيد غارتنشتاين روس أمام الكونغرس. غارتنشتاين روس، أكد أن تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي كان له "الأثر السلبي على الاستقرار" ليس فقط على الجيران المباشرين لليبيا (الجزائر وتونس ومصر) وإنما أيضا على مالي بما أنه شجع بشكل كبير سيطرة "الجهاديين" في شمال مالي، مما أدى إلى تدخل عسكري آخر قادته فرنسا علاوة على تسريع الأحداث في سوريا. تدخل الحلف الأطلسي في ليبيا لم يحظ كما هو معلوم بشرعية المنظمة الأممية التي لم تجد بدا من الدعوة لمواصلة تقديم الدعم والمساعدة للحكومة الليبية بخصوص إيجاد حل سلمي للأزمة في البلاد، لتؤيد هي الأخرى مقاربة الجزائر المرتكزة على ضرورة تشجيع هذا النهج بين كافة الأطراف الليبية. توقعات الجزائر بخصوص الإفرازات الخطيرة للأزمة الليبية كانت في محلها لاسيما وأنها المعنية بشكل مباشر بتداعياتها، ويكفي أنها تعرضت لهجوم مركبها الغازي تيقنتورين بعين امناس في جانفي 2013، مع احتجاز رهائن من مختلف الجنسيات، إذ ثبت دخول إرهابيين إلى أراضيها من الجنوب انطلاقا من ليبيا، فضلا عن تفشي الأسلحة غير الشرعية ومحاولة تهريبها إلى الجزائر عبر الحدود. بذلك أصبحت الجزائر تتحمّل أخطاء الآخرين رغم نداءاتها المتكررة بضرورة تغليب الحل السلمي على الخيار العسكري، استنادا إلى مبادئها العامة المرتكزة على مبادئ عدم التدخل في شؤون الآخرين. وهو ما جعلها تولي أهمية أكبر لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار من أجل رسم تصورات مشتركة لحل الأزمات سياسيا، فإذا كانت التهديدات الأمنية في منطقة الساحل تتطلب أحيانا العمل العسكري إلا أن الرهان على هذا العمل لوحده قد لا يكون مفيدا وصالحا في كل الأحوال، لأن هناك من المشاكل الاجتماعية كالفقر والبطالة والأمراض الصحية التي لا يمكن حلّها بالدبابة العسكرية شأنها في ذلك شأن فرض الديمقراطية بالقوة. يأتي ذلك في وقت تحاول أطراف أجنبية الرفع من مستوى التهديدات في المنطقة لخدمة أجندتها الجيو إستراتيجية، في حين لم تستسلم الجزائر لهذه المخططات ولا أدل على ذلك من نجاحها في لعب دور الوساطة بين الأطراف المالية أفضت إلى التوقيع على اتفاق المصالحة بين فرقاء هذا البلد، فضلا عن جهودها الحثيثة في مرافقة جهود منظمة الأممالمتحدة من أجل إيجاد مخرج للأزمة الليبية، في وقت تجمع أطراف ليبية على أن موقف الجزائر من أزمة بلادهم كان واضحا ومشرّفا منذ البداية، وأنه لا مصلحة لها ولا أطماع في كل ما يجري هناك على عكس بعض الدول الأجنبية التي تحاول الترويج لفكرة تقسيم بلادهم. من هنا تبرز قناعة الجزائر بدعم كل الجهود والمساعي والمبادرات الليبية الهادفة إلى إرساء الحوار الوطني، وإخماد نار الفتنة وتعزيز دعائم مؤسسات الدولة والمسار الديمقراطي في كنف الأمن والاستقرار.