«الزبون هو الملك» شعار العديد من التجار، خصوصا أصحاب المحلات الذين يتعاملون مباشرة مع زبائن من فئات مختلفة، إلا أن هذه العبارة أصبحت مجرد كلمات عابرة لدى بعض التجار الذين لا يحسنون التعامل مع الكبير والصغير، إذ تغير مفهوم التجارة كليا لديهم وباتوا يتضايقون من الزبون، وهو بدوره يتضايق منهم. حلقة مفرغة إلكتروناتها الزبائن وأصحاب المحلات التجارية، احترافية غابت لدى التجار، ومبالغات يمارسها بعض الزبائن، ف«الزبون هو الملك» حلقة لا تزال مفقودة في الخدمات عندنا، رغم ما طرأ على المحلات من تغييرات في الواجهات بعد القرارات التي كان مفادها تحسين الشوارع وإعطائها الطابع الجمالي، باعتماد الواجهات الزجاجية وتجهيز المحلات بأحدث الوسائل، خلقت فضاءات مرحبة للزبون لكن ظلت بعدها تفتقد للعنصر الأساسي الذي يتمثل في معاملة التاجر اللطيفة في استقبال زبونه الذي يعتبر للحظات أو دقائق قليلة ضيفا لابد من معاملته بابتسامة وكلمات لطيفة. وحول هذا الموضوع، كان ل«المساء» جولة استطلاعية في العديد من المحلات بالعاصمة، كان لكل واحد فيها تجربة مع زبون، كما حاولنا من خلال جولتنا التماس آراء المواطنين. بداية، كان لنا حديث مع سفيان الذي أوضح لنا أن العلاقات بين تجار زبائن أصبحت تعاني تراجعا جد واضح، فكلاهما بات يتضايق من الطرف الآخر؛ الزبون يشتكي من سوء معامل التاجر، والتاجر بدوره يشتكي من الزبون الذي يصفه بالمزعج أحيانا، وهذا راجع إلى أسباب مختلفة لا يمكن تحديدها لأنها تتغير بتغير شخصية كل فرد. من جهتها، اشتكت زبونة من المعاملات السيئة التي يتلقاها الزبون منذ دخوله المحل، حيث قالت: «قد يصادفك أحيانا التاجر بسلوكيات ‘غليظة' تبدأ بنظرات لامبالاة وغضب وكأن التاجر يعبر عن تذمره من دخولك المحل وإزعاجه، موضحة أن في الكثير من الأحيان يفقد التاجر زبائنه بسبب تلك السلوكيات، فتلك التصرفات مسيئة لسمعة المحل، وقد تجعل الناس يصفونه بغير المحترف. على صعيد آخر، اقتربنا من فؤاد، بائع في محل للألبسة الجاهزة، يبرر لنا سلوكيات بعض التجار بأنها مجرد ردود أفعال ناتجة عن «استفزازات الزبائن المتمثلة في بعض الألفاظ والسلوكيات، الأمر الذي يزعج التاجر ويجعله يتبنى سلوكا واحدا يتعامل به مع الجميع سواء الزبون الجيد أو المزعج، وهذا أمر خاطئ يقع ضحيته معظم التجار، يخلف أجواء مكهربة بين التاجر والزبون. فالتعامل مع الزبون كضيف غير مرحب به يحرجه ويشعره بعدم الراحة، فعندما لا يجد الاستقبال المناسب يسارع للخروج من المحل دون اقتناء أية بضاعة. حول هذا الموضوع، تحدثنا إلى الأستاذ مولود حمدي، مختص في علم النفس، أكد لنا معاناة سلوكيات التاجر والزبون من خلل في التعامل مع الغير، فتجد في بعض الحالات أن الزبون لا يحترم عمل التاجر، مما يدفعه إلى استعمال ألفاظ وممارسة سلوكيات تثير قلق التاجر الذي يكون تحت تأثير ضغط كبير بسبب تعامله مع مختلف الذهنيات في اليوم الواحد، فالتفكير بين الأشخاص يتغير، والزبون على عكس التاجر يمكن له أن يختار المحل الذي يقتني منه بضاعته، على عكس التاجر الذي لا يمكنه اختيار زبائنه، فعليه التعامل مع مختلف الفئات من المجتمع حتى «المجانين»، يضيف المتحدث. أكد المختص أن هذا لا يعد تبريرا لما يقوم به التاجر، وإنما مجرد تحليل لتفكيره، مؤكدا على ضرورة التعامل مع الزبون باحترافية حتى وإن كان هذا الأخير لا يطاق، لأن الحياة معاملات ولا يمكن قياس حالات شاذة على جميعها، فهذا يسئ إلى سمعة التاجر ويفقده بذلك زبائنه. كما أشار الأستاذ حمدي إلى أن هذا المشكل لا نلتمسه فقط في التجارة وإنما أيضا في سوق الخدمات، لاسيما في المؤسسات العمومية للخدمات دون استثناء بعض الشركات الخاصة، فالمشكل حسب المتحدث، ليس الشركة أو المتعامل الاقتصادي في حد ذاته، وإنما مشكل تكوين الأشخاص، حيث لابد أن يتلقى الشخص الذي له علاقة مباشرة مع الزبائن تكوينا خاصا في طرق التعامل مع الزبائن الذين لابد أن يحظون بترحيب جيد واحترافي، حتى تضمن وفاء تعاملهم مع نفس الشركة أو المحل. وأكد المختص أن الكثير من التجار يؤمنون بأن التسويق الحقيقي يبدأ بالابتسامة والكلمة الطيبة، فذلك كفيل بتحويل قرار الزبون من عدم الشراء إلى الشراء. تلك الثقافة السائدة والسلوك شبه الجماعي ليس امتدادا لسلوكيات المجتمع الجزائري قديما، يقول المتحدث، وواصل حديثه؛ سابقا كان التاجر يحترم الزبون، الذي يحترم بدوره التاجر، ذلك الاحترام المتبادل يخلق الراحة، الثقة والبساطة في المعاملات، إلا أنه اليوم، تحولت تلك المعاملات التجارية البسيطة بين البائعين والزبائن إلى علاقات معقدة تتطلب اتخاذ احتياطات وتدابير خاصة، تفاديا للوقوع في مشاكل قد تنتهي بمناوشات حادة تنفر الزبون وتستفز التاجر.