من قال أن ثقافة التاجر غير ضرورية خاصة ما تعلق بفنيات التعامل الراقية مع الزبائن، ومهارة الاستقبال، ومساعدة المشتري في الحسم في خياره، بعيدا عن الانتهازية، وأنانية الربح السريع على حساب جيوب وذوق الآخر، لأن التاجر مسؤول بدوره من موقعه في تكريس ثقافة التاجر الحقيقي الذي يحترم قواعد العرض والطلب، وينزل عند رغبة الزبون لأنه سيد في طلبه، وبطبيعة الحال في حدود المعقول. لكن الكثير من السلوكيات يستهجنها صاحب الطلب، باتت تظهر في تعاملاتهم مع الزبائن، فصارت صورة منع الزبون من اختيار بنفسه حبات البرتقال أو الموز أو التفاح تكاد تعمّم، فالتاجر هو من يتولى عملية الانتقاء، رغم أنه خلال العقود الفارطة كانت أمرا عاديا على مستوى أسواقنا ويتقبلها تجارنا بصدر رحب. ولا يتوقف الأمر عند ذلك لأن بعض التجار يلجأون إلى حيلة مزج الخضر والفواكه من النوعية الرديئة مع الجيدة في الصندوق وعندما يزن للزبون ينتقي صغيرة الحجم والتي في طريقها إلى التلف ويزيح الجيدة جانبا ليحتفظ بها مرة أخرى في صندوق آخر من أجل بيعها بثمن أرفع ويكون بهذا قد تخلص بحيلته من منتوج ربما كان قد يتخلص منه في الأماكن المخصصة لرمي النفايات. وسلوكيات أخرى لا تقل جشعا وكثيرا ما تتسبب في عزوف الزبائن ومقاطعتهم للعديد من المحلات التجارية بحجميها الصغير والكبير، فالتاجر بطبعه لا يقبل الخسارة ويستعمل ذكاءه من أجل ربح أكبر وتطوير تجارته، لكن إذا كان ذلك على حساب صحة المستهلك، فهنا يكمن الخطر وقد يتسبب في إرسال الزبون إلى المستشفى، إذا ماذا نسمي ظاهرة احتفاظ العديد من التجار بمنتوجات انتهت صلاحيتها على الرفوف وتركها أمام أنظار الزبون، فإذا لم ينتبه إلى تاريخ نهاية صلاحيتها، فإن التاجر يغض النظر عن ذلك، ويقبض ثمنها دون تأنيب للضمير، وماذا نسمي إخراج الخبز والحليب واللبن والمياه المعدنية والمشروبات، خارج المحل لجذب الزبائن أو بسبب ضيق المحل، لكن الحرارة والأتربة ستؤثر كثيرا على هذه المواد التي ستضر دون شك بصحة الزبون وأسرته. ولا يمكن لمصالح الرقابة أن تتقبض على مثل هذه السلوكيات التي تقترف في الخفاء في حالة تلبس، لذا تكريس ثقافة مهنة التجارة والالتزام بقواعد العرض والطلب كفيل بالقضاء على سلوكات مشينة، تعكس مظاهر سلبية بعيدة عن المجتمع المتحضر.