تنتشر في أوساط نساء حرفيات عبر إقليم منطقة تيديكلت، بالولاية المنتدبة عين صالح في ولاية تمنراست، حرفة إعادة تثمين أكياس بلاستيكية مهملة من خلال إعادة استغلالها لصنع وتزيين تحف يدوية، ضمن نظرة مبتكرة ترمي إلى إعطاء مسحة جمالية لمنتجات الصناعات التقليدية. من بين تلك المنتجات الحرفية التي تبدع فيها الحرفيات بإعادة استعمال الأكياس البلاستيكية متنوعة الألوان؛ صناعة السلالة التي تلقى رواجا منذ عقود بالمنطقة، والتي تصنع من مشتقات النخيل كمادة أولية صرفة، إلا أنه أصبحت اليوم تدمج فيها بقايا الأكياس البلاستيكية لمختلف البضائع التي ترمى بعد استعمالها. تساهم هذه المبادرة في المحافظة على منتجات الصناعة التقليدية وتشكل عاملا إيجابيا في مجال تثمين هذا النوع من النفايات، بما يسمح المحافظة على بيئة سليمة يتقاسمها سكان المنطقة. وبخصوص هذه الحرفة، أعربت الحاجة نصور 40 سنة عن اعتزازها «الكبير» لممارسة هذه الحرفة وتشبثها بها منذ ريعان شبابها، باعتبارها حرفة توارثتها أبا عن جد، مؤكدة عدم التفريط فيها لما تساهم به رغم بساطتها في تحقيق دخل مالي متواضع تغطي به بعض مصاريف العائلة. كما تضفي ممارسة هذه الحرفة جماعيا في استحداث فضاء «حميمي» تلتقي فيه النسوة الحرفيات في جو أشبه ما يكون بخلية نحل أو لمة عائلية، يتم خلالها تبادل أطراف الحديث والترويح عن النفس، لاسيما في هذا الزمن -كما تضيف- الذي قلت فيه مثل هذه اللقاءات بالنظر إلى أعباء الحياة اليومية وظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومشاغلها المتعددة. تقوم النسوة اللواتي مازلن يحافظن على هذه الحرفة بالاعتماد في صناعة مختلف أصناف السلالة بشكل كبير، على العراجين والسعف التي تجود بها واحات النخيل الشاسعة بالمنطقة، حيث يقمن بتطويعها وترطيبها وتحويلها إلى ألياف ليسهل التعامل معها كخيوط النسيج ومنه تحولها النساء بإبداع وبراعة أناملهن إلى أوان وتحف تقليدية بمختلف الأحجام والأشكال، باستخدام معدات وأدوات عمل تقليدية، على غرار الإبر التي تعد أهم أداة في صنع تلك الأواني. ونظرا لما أصبح يقتضيه الوقت من سرعة في الأداء نظرا للطلب المتزايد على هذه الأواني، سواء للاستعمال المنزلي أو بغرض الزينة، فقد اضطرت الحرفيات إلى الاستعاضة عن السعف الذي يستخدمنها في تغليف تلك الأواني المصنوعة من العراجين، لحمايتها من التلف بالأكياس البلاستيكية المهملة التي يعاد استخدامها بعد تفصيلها على شكل خيوط خشينة، مما يكسب تلك الأواني مناعة ضد عوامل الرطوبة والاحتكاك، بالتالي زيادة مدة استعمالها. طريقة مبتكرة حققت مكاسب اقتصادية وجمالية أكثر للمنتجات مكنت هذه الطريقة المبتكرة من تحقيق عدة مكاسب اقتصادية وجمالية أكثر لمنتجات الحرفيات من خلال قدرتهن على صناعة السلالة بأشكال مختلفة وغاية في الانسجام وجمالية أفضل، مما عزز من فرصهن في تسويق تلك المنتجات، خاصة بالنسبة لزوار الإقليم من السياح من داخل وخارج الوطن وعبر مختلف التظاهرات الترقوية التي تقام لفائدة الحرفيين داخل الولاية وخارجها، فضلا عن المساهمة في الحفاظ على البيئة من خلال تثمين تلك النفايات البلاستيكية التي كثيرا ما تتسبب في تشويه المحيط العمراني. وتتعدد أنواع المنتجات المستخرجة من هذه المواد الأولية حسب أغراض استعمالاتها المتداولة إلى حد الآن بين سكان المنطقة، على غرار «التدارة» التي تستعمل في حفظ التمر الجاف بعد مروره على عملية الدرس والتنقية من النوى، إضافة إلى الأطباق المختلفة المستعملة كأغطية أو أوان لحمل الوجبات الغذائية والمئونة، والتي تدخل أيضا كعنصر هام في جهاز العرائس. ساهم استعمال هذه الأواني وتداولها بين سكان منطقة تديكلت ومناطق الجنوب الجزائري عموما، في الحفاظ على هذه الحرفة كإرث ثقافي يعكس حضارة وعراقة المنطقة ويبرز نمط معيشة السكان في هذا الإقليم منذ الحقب الغابرة التي استطاعوا فيها العيش بانسجام تام مع مختلف مكونات البيئة المحيطة، والتعايش مع كل مراحلها، إلى جانب دورها الفعال في إنعاش القطاع السياحي الذي تعد الصناعات التقليدية واحدة من روافده الأساسية. وحول هذا النشاط الحرفي وأثره على البيئة المحلية، أوضح رئيس مكتب الوقاية والنظافة ببلدية إينغر، ناجم بويبة، أن النسوة يساهمن من خلال ممارستهن لهذه الحرفة وبشكل «ملموس» في المحافظة على نظافة البيئة والمحيط العام، من خلال جمع وإعادة استغلال الأكياس المتناثرة من الشوارع والفضاءات العامة، حيث يلاحظ اختفاء آثارها السلبية على المحيط البيئي بشكل عام. مضيفا بأن هذا النوع من المبادرات المحلية وفضلا على ما تدره من مداخيل للعاملات في هذا المجال، فإنها تساهم كذلك في تعزيز جهود التنمية المستدامة من خلال المحافظة على بيئة نظيفة، مما يتعين تشجيعهن ومرافقتهن لاستدامة هذا النشاط المفيد.