تلقّى الحرفي محمد مداح أثناء تواجده بقاعة الأطلس بباب الوادي لعرض ما جادت به أنامله في حرفة صناعة السلالة، أو كما يسميها سكان منطقة الشلف “صناعة الدوم”، عرضا من غرفة الصناعات التقليدية للولاية للمشاركة في مشروع صناعة أكياس من الدوم تحل محل الأكياس البلاستيكية، هذا المشروع لقي ترحيبا من قبل الحرفي الذي يقرّ أن البيئة، اليوم، تعاني كثيرا من التلوث الناجم عن انتشار الأكياس البلاستيكية في كل مكان. يشرح ل«المساء” الحرفي محمد الذي جاء رفقة بعض الحرفيين في إطار التبادل الثقافي بين سكان منطقة الشلف وسكان العاصمة، أهمية مشروع استبدال الأكياس البلاستيكية بأكياس الدوم قائلا؛ “تلقيت دعوة من غرفة الصناعات التقليدية لولاية الشلف، تطلب مني الإلتحاق بالغرفة لمناقشة مشروع استبدال الأكياس البلاستيكية بأكياس أصممها خصيصا ليبتاع فيها الناس الخبز، ويأتي هذا الاقتراح بعد أن أكدت بعض الدراسات، التي قام بها مختصون، أن الخباز عندما يضع الخبز الساخن في الأكياس البلاستيكية، فإنها تتعرق ومن ثمة تلتصق بالخبز، مما يؤدي إلى إفراز مواد مضرة بالصحة، واستطرد قائلا؛ “الأكياس التي من المنتظر أن أتولى صناعتها، تُوزّع بالمجان على الزبائن الذين يلزمون باستعمالها عند شراء الخبز، لتعويدهم على استعمال أكياس طبيعية، وإن حدث ونسي أحد الزبائن كيسه، فإن الخباز يمتنع عن بيعه الخبز. وجاء على لسان محدثنا أن استبدال الأكياس البلاستيكية بأخرى مصنوعة من مادة الدوم مشروع لو تحقق، سيعد من أحد أهم المكاسب البيئية بالنظر إلى الضرر الذي تسببه الأكياس البلاستيكية للبيئة، وقال؛ “على الرغم من أن صناعة أكياس من مادة الدوم ليس بالأمر الهين، كونها صناعة يدوية تتطلب الجهد واليد العاملة، غير أنني أعتقد أنه آن الأوان لإعادة الاعتبار لبعض الحرف التقليدية التي تراجعت بسبب سيطرة مادة البلاستيك على حياتنا”. وحول أهمية الحرف التقليدية، قال الحرفي محمد؛ “من أكثر الأمثال الشعبية التي نحب ترديدها على مسامع أبنائنا لتحبيبهم في الصناعات التقليدية، هي مقولة؛ “الحرف تزول بزوال الرجال”، أي أن الرجل بمنطقتنا ينبغي عليه إتقان أكثر من حرفة لتتنوع مصادر رزقه، ولعل من أهم الحرف التقليدية المعروفة بولاية الشلف يضف محدثنا صناعة النسيج والطين والأكلات الشعبية، مع صناعة الدوم التي تخصصت فيها منذ الصغر. لم يكن الحرفي محمد مولعا يوما بالصناعات التقليدية، غير أن والده أجبره على تعلم حرفة، بحكم أن المنطقة التي ينتمي إليها تفرض على الأسر منطق تعليم أبنائهم مختلف الحرف التقليدية لحمايتها من الزوال، على اعتبار أنها موروثة عن الأجداد من جهة، ولأن الصنعة تحمي الرجال من الفقر. ولأن عائلة محمد كانت متخصصة في صناعة السلالة، تعلم محمد هذه الحرفة التي سرعان ما أحبها فأبدع فيها، حيث قال ل “المساء”؛ شعرت يوم تعلمتها بالفخر والاعتزاز، خاصة عندما تلقيت شهادة تقدير من والدي، واليوم أحاول جاهدا إقناع أولادي بتعلمها، لأنها بالفعل ثروة لمن يعرف كيف يستغلها، غير أن ما ينبغي لأبنائنا معرفته هو أن مثل هذه الحرف لا ينبغي بالضرورة أن تكون له مصدر رزق، ولكن يمكنهم ممارستها كهواية في فترات الفراغ، وإن حدث ووجدوا صعوبة في شغل بعض مناصب العمل، تكون الحرفة التي تعلموها بمثابة الكنز الذي يقيهم الحاجة. يشعر الحرفي محمد بالارتياح لواقع الصناعات التقليدية بالجزائر، حيث قال؛ “أذكر فيما مضى أن مادة الدوم، وهي مادة طبيعية من عائلة النخيل، كانت أهم مصدر لحياتنا اليومية، إذ كنا نستعملها في لباسنا على غرار الأحذية، وكنا نصنع بها الأدوات والسلال التي نستعملها في الأكل، كما كنا نصنع بها أغطية وأفرشة، غير أن هذه الصناعات تراجعت في سنوات السبعينات بعد أن تعرضنا لغزو البلاستيك الذي همّش ما نعده من صناعات تقليدية. وفي مطلع التسعينات، وجهت دعوة إلى غرف الحرف بكل ولايات الوطن لإعادة الاعتبار للصناعات التقليدية عن طريق تشجيع الحرفيين على تعليم كل الحرف التي يعرفونها حتى لا تزول، والعمل أيضا على المشاركة بمختلف المعارض والتظاهرات الثقافية لإبراز القيمة المادية والمعنوية لمختلف الصناعات التقليدية، وأعتقد، بحكم المعارض التي شاركت فيها، أن الصناعة التقليدية في الجزائر تسير نحو الأحسن، لاسيما أن أبناءنا شعروا بأهميتها ودأبوا على تعلمها.