أكدت الدكتورة لميس عماري عضو الهيئة العالمية لنقاد المسرح ومنسقة مشاريع فنية وثقافية في أكثر من 18 دولة، خلال مداخلتها حول شهيد المسرح الجزائري عبد القادر علولة، أنّ القطيعة المعرفية لم تؤد بعلولة للاغتيال، إنما أدت به إلى الريادة الأرومتوسطية واستشراف مستقبل أفضل للمسرح في العالم العربي. أيّد أستاذ الفنون الدرامية بجامعة سعيدة، الباحث عبد الكريم غريبي، في مداخلة عنوانها «أية قطيعة معرفية أودت به إلى الاغتيال»، رأي زميلته العراقية، لأن عبد القادر علولة، أحدث القطيعة المسرحية على مستويات متعدّدة، أوّلها في طبيعة تناوله للمواضيع التي تعتبر كتوثيق في كتابة تاريخ المجتمع، كما اهتم علولة بجمهور الطبقة الهشة والمتوسطة باعتبارها القاطرة التي تجرّ المجتمع، وسعى في سبيل أن يكون المسرح حقا لها كحقها في الماء والخبز. وأضاف الباحث أنّ علولة أحدث القطيعة مع المسرح الوهمي، المبني على الترفيه المستلهم من المسرح الأرسطي واتّجه إلى مسرح هادف يساهم في إنتاج الوعي، بيد أنّ «برخت العرب» كان يؤمن بالشعب ووعيه، حيث كان يقول بأنه يخاطبه على أنه شعب ذكي قادر على استيعاب الأشياء، رافضا طمس الحقائق أو تزيينها. وأجمع المتدخلون على أنّ علولة استطاع أن يجمع ويمزج بين اللهجات العربية المحلية واللغة الأكاديمية الفصحى، وأحدث قفزة نوعية في المسرح الجزائري والعربي، من خلال الخروج بالعزلة الثقافية إلى العالم الخارجي والفصل بين السياسي والثقافي والديني، وطالب المختصون في النص المسرحي من الجزائر بضرورة خلق حركة ثقافية قوية تؤثّر في الوسط المسرحي وتكون اللبنة لتأسيس اتحاد مسرحي قوي بين البلدان العربية، يخرجها من العزلة في ظلّ الرهانات الحالية. كما طلبوا بضرورة توثيق وأرشفة النصوص والأعمال المسرحية للمرحوم علولة وإعادة إخراج أعماله المسرحية برؤى جديدة، تعتبر إحياء للذاكرة الركحية لعلولة من خلال العروض ونفض الغبار عنها وإعادة تلبيسها برؤً جديدة وإسهام الأجيال والأخذ بها وتسويقها على الصعيد العربي. وفي سياق الشهادات الحية حول علولة، اعتبر البعض من وجهة نظر علمية، بأنّه أكبر مطبق ومنظر لمسرح السرد التمثيلي، في العالم الذي بات يعتمد على الحكاية والسرد، فعلولة قدّم للمسرح إبداعا وأبدع في اللغة الاستعارية الشعرية الراقية التي تحتاج لفصول من البحث، واستطاع التحكّم في اللغة الشعبية التي تقف في معانيها على دلالات، في حين على مستوى السينوغرافيا، انتقل المسرحي من المسرح التجسيدي الذي حل محله المسرح التجريدي والتراث الذي يحاوره، وأضاف المتدخلون أنّ كلّ الجهات استفادت من تجربة علولة المسرحية. وعرّج المتدخّلون على مرحلة الفراغ الرهيب الذي خلفه علولة خلال سنوات الدم، بعد اغتياله منذ 22 سنة، والتي تمّ توظيفها وتأويلها بموت المسرح الجزائري، الأمر الذي أعقبه نداء مرسيليا لنجدة المسرح الجزائري، وهو ما اعتبره المسرحيون والمختصون الجزائريون مراهنة كاذبة واعتبروا أنّ الجزائر تزخر بطاقات هائلة كامنة، لاسيما أنّ العديد من المدن، على غرار مليانة التي كانت ينظّم بها مهرجان المسرح المحلي في سنوات الجحيم، ولم يتوقّف المسرح عن الإبداع، كما كانت لشجاعة الرجل وثقته الكبيرة بإيمانه بالرسالة المسرحية أثر بالغ على اغتياله ومحاولة إسكات صوت خشبة المسرح، فأعماله تترجم عظمة الرجل. من جهتها، أشارت المسرحية الجزائرية فضيلة حشماوي لدى إدلائها بشهادتها حول الرجل أنّه كريم وسخي يحب العدالة الاجتماعية ويطمح لأجلها، يحب الجزائر وقال عن الإسلام «بأنّه دين العدالة والكرامة والمساواة لا دين العنف والغموض»، ونوّه العديد من الأشقاء من المغرب بمسيرة الرجل الذي سقط خبر اغتياله على مهرجان أغادير كالصاعقة والفاجعة، بإلقاء خبر اغتياله أمام جمهور يتكوّن من 3 آلاف شخص بمسرح المدينة، متسائلين عما ستفعله الذاكرة، فمن الصعب أن تستمر في إنتاج خطاب صادق. وخلال الشهادة التي قدمها مدير مسرح وهران، السيد غوتي عزري، أكّد أنّ المرحوم عبد القادر علولة لم يكن أبدا ضد الأرسطية المسرحية، إنما كان ضدّ جانبها السلبي المبتذل، الذي يعتمد على تسطيع المادة المقدّمة للمتلقي على حساب الوعي الفكري والاجتماعي وحتى السياسي.