القطيعة الفكرية لم تقتل علولة لكن رفعته للريادة دعا العديد من الحاضرين أمس في الندوة الفكرية المخصصة لعبد القادر علولة في إطار فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي الجارية في وهران، إلى تفادي تعظيم عبد القادر علولة، لدرجة جعله أسطورة في تاريخ المسرح الجزائري، مطالبين في الوقت ذاته بإحياء أعماله وانجاز أبحاث أكاديمية كبيرة عنه و عن مساره الفني خاصة الركحي، بينما أجمعت مداخلات المختصين بأن علولة كان فعلا رائدا في التجديد للمسرح الجزائري الذي أثر بتجلياته على المسرح العربي. قالت الدكتورة لميس العماري "أن أول ربيع عربي في العالم العربي كان جزائريا واصطلح على تسميته "العشرية السوداء"، مبرزة أنها تناولت هذا الموضوع سنة 1992، فعملية تحول الجزائر نحو الديمقراطية هي واحدة من أهم التطورات بالنظر للموقع الخاص الذي تحتله الجزائر في المنطقة، لكن البلدان العربية تتجاهل هذه التطورات في استعراضها لأحداث الربيع العربي، وذكرت المتحدثة أيضا تغييب ما جرى في العشرية السوداء من طرف بعض الكتاب الجزائريين أنفسهم. بخصوص الفن الرابع، أكدت الدكتورة أن المسرح الجزائري هو الوحيد بين المسارح العربية الذي لم ينشأ في أحضان المسرح التجاري، بل ولد من رحم الثورة والنضال، متمتعا في كل مراحله بالدعم الرسمي الكامل ولم يكن أبدا محكوما بشباك التذاكر، و تخطى في ظل هذه الظروف كل المسارح العربية التي كانت تقليدية. أما عن عبد القادر علولة، فقالت الدكتورة لميس، أنه ليس هناك أي فنان عربي واع بالنظرية و كيف يطبقها مثل علولة الذي كان يملك جرأة خارقة تحبس الأنفاس أثناء العرض، وربطت في مداخلتها بين الفعل الفلسفي أو القطيعة المعرفية و جريمة اغتيال علولة، مضيفة أنه إذا كانت المعرفة تقتل أو تؤدي إلى القتل، فعلى الأرض السلام، مسجلة في المداخلة أن علولة بعد اغتياله لقي تعاطفا كبيرا في الأوساط المثقفة الغربية، لكن علولة كان مجددا قلبا وقالبا للمسرح الجزائري. فالقطيعة المعرفية لم تؤد لاغتيال علولة، ولكن أدت به للريادة اللاأرسطوية التي كان يتميز بها، مستشرفا عن طريقها مستقبلا أفضل للمسرح العربي، وبالتالي، حسب الدكتورة لميس، أفضل تكريم و إحياء لعبد القادر علولة، هو أنها قامت مباشرة بعد سماع خبر اغتياله، بترجمة نصوصه إلى الانجليزية بقلب يتقطع ودموع رفعت منسوب المشاعر لديها، لدرجة أن المؤلفات المترجمة لاقت نجاحا باهرا في العالم، وكتب عنها الكثيرون واستخدمت في عدة أبحاث أكاديمية، ونبعت هذه الأحاسيس من معرفة الدكتورة للراحل علولة خلال تواجدها بجامعة وهران في الثمانينات، وتفضل الدكتورة أن تسمي علولة ب "بريشت" الجزائر. من جانبه تطرق الأستاذ عبد الكريم غريبي من جامعة مستغانم، لقطيعة علولة وعلاقتها بالاغتيال الذي يتأرجح بين عدة مقاربات ترتكز على تساؤل حول "هل اغتيال علولة مفصل أو منظومة؟"، فعلولة كان قدره المقاومة و كان صراعيا خلافيا، وهذا ما انعكس على مسرحه الذي كان قدره مقاوما، مثل المسرح الجزائري عموما الذي فرض على الفنانين أن يخوضوا صراعا من أجل الاستقلال والمحافظة عليه. وأكد المحاضر أن علولة كان استشرافيا في كتاباته وأعماله، حيث أنه نبه مبكرا من نتائج الاشتراكية البيروقراطية، و جدلية المثقف العضوي و الطبقة العاملة، والعلاقة الغامضة بين المثقف والسلطة، مضيفا أن تموقع الحركة المسرحية حدد مستويات القطيعة عند علولة في إنتاج الوعي السياسي والثقافي في الجزائر. وأشار المحاضر أنه منذ 1962 ، ظهر خطاب يعيد انتاج الدعوة للسلطة المتعددة، سواء كانت دينية أو سياسية أو ثقافية، وهنا كان على المثقف أن يتموقع في الفضاء المنظوماتي. وأضاف الأستاذ غريبي أن القطيعة عند علولة، كانت أيضا تعتمد على تكريس عدم الحياد والدعوة للتواطؤ، و كذا عملت القطيعة العلولية على تأسيس للدولة الوطنية. و تم بالمناسبة عرض فيديو لخص مسار علولة الفني والشخصي، وهو ذات المسار الذي تناولته الشهادات التي أدلى بها من عملوا معه أو من عايشوه وكانت لهم معه مواقف معينة، وخلال اللقاء تم أيضا تقديم عرض مباشر لمشهد من مسرحية "التفاح" جسدها الممثلان بلاحة بن زيان و فضيلة هشماوي اللذان عملا كثيرا مع علولة، إلى جانب شباب ينتهجون نهجه في مسارهم المسرحي.