تحيي الجزائر، غدا، الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لمحطتين تاريخيتين عززتا مساري الكفاح التحرري وترسيخ دعائم السيادة الوطنية، وكان لهما الفضل الكبير في بلوغ الجزائر اليوم مكانة راقية في مجال سيادة الدولة على قراراتها واستقلاليتها التامة في رسم الخطط والاستراتيجيات التي تحدد مصيرها وتدعم رقيها. مرحلة أرادتها الدولة للتحول الاقتصادي الذي يرتكز على تنويع محركات التنمية ودعم المشاريع الاستثمارية في القطاعات البديلة ومنها قطاع الطاقات المتجددة. معاني الاحتفال بالذكريين التاريخيتين على رغم اختلاف سياقهما الزمني، تلتقي في تلازم المكاسب التي حققتها الجزائر بفضل هذين الحدثين التاريخيين، حيث ساهم تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فيفري 1956، بعد مسار نضالي طويل مكنها من تحقيق تحررها من القمع الاستعماري، في تنمية نضج الطبقة العاملة في الجزائر ووعيها بأهمية الدفاع عن حقوقها المهنية والاجتماعية المشروعة، من جهة ومرافقة الدولة في مساعيها التنموية، التي لا يمكن تجسيدها على أرض الواقع، إلا في ظل استقرار اجتماعي من جهة ثانية. فيما كرس قرار تأميم المحروقات في 24 فيفري 1971، سيادة الدولة الجزائرية على ثرواتها وخيراتها النفطية، وأكثر من ذلك رسخ استقلاليتها في اتخاذ القرارات، كمبدأ ثابت، هون على الجزائر اليوم بفضل حكمة رئيسها عبد العزيز بوتفليقة، من آثار الاهتزازات والصدمات التي لم تسلم منها كافة دول العالم. قرار تأميم المحروقات في سنة 1971 والذي جاء ليستكمل الاستقلال الوطني من خلال تجسيد السيادة الاقتصادية، سمح للجزائر بتأمين التنمية الاجتماعية وفق المبادئ السامية التي كرسها بيان ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة، وهي المبادئ التي تواصل الدولة اليوم صونها بكل روح مسؤولية رغم ما تفرضه المرحلة العصيبة التي تعصف بالعالم اجمع من تحديات وتضحيات. مثلما حفظ التاريخ للجزائر حكمة قرار تأميم المحروقات في 1971، سجل لها في الفترة الأخيرة سداد قرار الرئيس بوتفليقة في تحرير البلاد من المديونية الخارجية واتباع خيار التسديد المسبق لهذه المديونية، ما مكن الحكومة اليوم من وضع تخطيط استشرافي، لمرحلة تحول اقتصادي، يسمح للجزائر من استغلال كافة الإمكانيات والمؤهلات الاقتصادية المتاحة ويحررها من التبعية للمحروقات، ويلحقها بركب الاقتصاديات الناشئة. هذا المسعى الذي بدأت ثماره تتجلى على أرض الواقع، من خلال الحركية الكبيرة التي تشهدها العديد من القطاعات الاقتصادية المدرة للثروة ولمناصب الشغل والمساهمة في رفع مستوى الإنتاج الوطني، على غرار الصناعة والفلاحة والطاقات المتجددة، ما كان ليتحقق لولا سيادة الدولة على قراراتها، وتحكمها المطلق في خياراتها، واعتمادها للمبادئ التي تخدم مصالحها على غرار القاعدة الاستثمارية 49/51، التي تصر على تبنيها في ضبط مشاريع الشراكة والاستثمار، وكذا قرار تنظيم حصص السلع والمنتجات المستوردة من الخارج بفرض رخص الاستيراد. كما لم يكن لهذا المسعى أن ينجح لولا اعتماده على آلية التشاور الموسع التي تشرك ممثلي العمال من مختلف النقابات وفي مقدمتها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في وضع أسسه ورسم محاوره الكبرى، وهي التجربة التي استفادت منها العديد من النقابات المستقلة التي تعتزم الحكومة إشراكها مستقبلا في كافة المساعي التي تنبني على مبدأ الحوار والتشاور. بقراءة بسيطة لما وصلت إليه البلاد بفضل قرار تأميم المحروقات وما تحقق للعمال الجزائريين منذ تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، نستلهم المزايا والفضائل التي امتازت بها الجزائر عن غيرها من الدول، بثباتها على مبدأ استقلالية وسيادة القرار السياسي والاقتصادي، وباعتمادها لسياسة الحوار البناء بين الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، والذي أثمر عقدا وطنيا للنمو الاقتصادي والاجتماعي أبرمته الأطراف الثلاث، وحددت من خلاله واجبات ومسؤوليات كل طرف منها، من أجل تثبيت السلم والاستقرار الاجتماعيين، وتدعيم مسار النمو والتحول الاقتصادي الذي يجعل من المؤسسة الاقتصادية المحرك الأساسي للتنمية. لقد بلغت الجزائر اليوم وباعتراف الهيئات الدولية المختصة الأهداف التنموية للألفية التي حددتها منظمة الأممالمتحدة في مجالات عديدة مثل استغلال الطاقة والطاقات المتجددة وتحقيق معالم التنمية المستدامة، دون المساس أو التنازل عن مبادئها وأهدافها المرسخة في بيان ثورتها الغراء، وفي مقدمتها مبدأ الحفاظ عن الطابع الاجتماعي التضامني للدولة، ولازالت الطريق معبدة أمامها لترقية مكانتها وتعزيز رفاه شعبها وازدهاره، من خلال تثمين كافة الامكانيات والموارد التي تزخر بها، وفي مقدمتها الموارد البشرية والكفاءات الواسعة التي تعتبر أثمن ثروة تمتاز بها البلاد في مختلف المجالات والتخصصات. وسبق لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أن أكد في مناسبة مماثلة بأن سيادة الجزائر على قراراتها، لم تكسبها القدرة على تجاوز الصعاب فحسب، بل مكنتها أيضا من إيجاد الحلول لها أيضا، فضلا عن أن الجزائر أصبحت مرجعا في الوساطة بين الأمم، تعقد عليها الآمال في حل النزاعات، وأصبح لصوتها تقدير ونفاذ في المحافل الدولية. ولفت في سياق متصل إلى أن الجزائر ليس أمامها من وسيلة لتجاوز أزمة تراجع أسعار النفط في السوق العالمية إلا الإعتماد على إمكانياتها الذاتية وعلى سواعد عمالها، وعبقرية علمائها والعمل على إيجاد بدائل للمحروقات والاهتمام أكثر بالمجالات الأخرى التي تنتج الثروة، مادية كانت أو ثقافية أو روحية، معربا عن قناعته بأن الجزائريون قادرون على رفع هذا التحدي.