الجزائر - يندرج تأميم المحروقات الذي قرر في 24 فبراير 1971 في إطار مواصلة مسار استرجاع السيادة الوطنية التامة و الكاملة و التحكم في الثروات الطبيعية التي يزخر بها باطن الأرض من أجل تنمية اجتماعية واقتصادية لجزائر الاستقلال. هذا القرار السياسي المحض الذي جاء تسع سنوات بعد الاستقلال و أعلنه آنذاك الرئيس الراحل هواري بومدين في خطاب تاريخي مكن الجزائر من الاستفادة على اكمل وجه من ثرواتها و مواصلة تعزيز مسار بناء الوطن بعد التخلص من نير الاستعمار. و كان لهذا القرار ردود فعل "سلبية" سواء في الاوساط السياسية الاقتصادية الفرنسية أو الشركات الدولية المتخصصة في استغلال و تسويق النفط و الغاز و مشتقاتهما. واعتمدت هذه الأطراف التي كانت جد متمسكة بالحفاظ على مصالحها على محاولات ضمان الاستفادة التي كانت تتمتع بها في المرحلة السابقة. و كان هذا الوضع الجديد يستدعي تضحيات كبيرة و تعبئة لكل الفاعلين الجزائريين الذين كان قليل منهم ممن يتمتع على كفاءات. و لكنهم استطاعوا و بتفان تشغيل حقول النفط و الغاز بجنوب الوطن من اجل رفع التحدي و تمكين الجزائر من جني ثمار أراضيها لصالح لكل الجزائريين و الجزائريات. و منذ ذلك الوقت خصصت العائدات مباشرة لتشييد الوطن و الإنجازات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الكبرى. و فضلا عن تأسيس الصرح المؤسساتي بجميع أبعاده كان على الجزائر المستقلة تحقيق العديد من البرامج تتعلق بإنجاز عشرات الآلاف من المنشآت المدرسية و الجامعية و الاستشفائية و الصناعية حيث كان هذا المسعى مدعما على مر السنين بالعديد من المخططات الخماسية ذات الطابع الاقتصادي و الاجتماعي بفضل الموارد المالية التي كانت توفرها المحروقات. و أكد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في رسالته الأخيرة إلى العمال الجزائريين بمناسبة إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات أن هذه الموارد "(...) كانت وستبقى مسخرة لتحقيق الرخاء لكافة الشعب الجزائري". و من الصعب تعداد الورشات المفتوحة المتعددة بكافة مناطق البلد بحيث سمح تجسيدها لملايين المواطنين بالإستفادة من إطار معيشي في تحسن مستمر. و يعد السكن و سياسة المياه و بعث الفلاحة و الموانئ و المطارات و تطوير شبكة الطرقات منها الطريق السيار شرق غرب و عصرنة شبكة السكك الحديدية و وضع صناعة صيدلانية حديثة من بين الإنجازات الكبيرة التي تم تسجيلها إلى يومنا هذا. و يستدعي التسيير الجيد للمحروقات و هو "ركيزة حاسمة لتشييد البلد" تكييفا مطابقا مع التحولات السياسية و الاقتصادية و الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم اليوم.و في هذا الصدد قامت الجزائر بإعداد استراتيجية ملائمة من خلال إقامة شراكات متميزة مع شركات أجنبية مع السهر على الحفاظ على السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية. و بالموازاة قامت الدولة بتخفيض المديونية الخارجية للبلد بشكل معتبر كما باشرت استثمارات كبيرة لتشجيع ادخال قوي للغاز الطبيعي بالبيوت و انجاز عشرات المصانع لمعالجة و تحويل البترول و الغاز و توسيع شبكة النقل عن طريق الأنابيب و تقديم التكوين لعشرات آلاف التقنيين و المهندسين و الإطارات مع استحداث عشرات آلاف مناصب الشغل الدائمة. و تشكل المحروقات و هي طاقة غير متجددة رهانا حاسما في مرحلة مواصلة التنمية الإجتماعية و الإقتصادية للجزائر غير أن برنامجا واسعا حول الطاقات المتجددة في طور الإعداد خاصة و أن امكانيات البلد في هذا المجال متوفرة لضمان الإستجابة للطلب الوطني على الطاقة و كذا حاجيات البلدان الأوروبية و الفضاء المتوسطي.