تحيي الجزائر، غدا، الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، المصادفة ل24 فيفري من كل سنة، في ظل مكاسب الاستقلال التي تجلت في إنجازات البناء والتشييد وتأميم الثروة النفطية الوطنية وتحمل أعباء التحول الاقتصادي والمشاركة في السلم والتنمية الاجتماعية. فقد أرست تأميمات سنة 1971 عهدا اقتصاديا جديدا شكل مصدر قوة للتنمية الوطنية، حيث أثبت النموذج المعتمد في الجزائر محدوديته ابتداء من النصف الثاني من الثمانينيات لما أخذت الأسعار منحى غير موات على الساحة النفطية الدولية، الأمر الذي دفع بالسلطات في 1987 ثم في 1991 إلى خوض أولى خطوات الانفتاح الملموسة في مجال السياسة الطاقوية. وفرضت التحولات الجديدة التكيف مرة أخرى مع الساحة النفطية الدولية التي ما انفكت تشهد تطورات في ظل عولمة المبادلات وشموليتها، في الوقت الذي ازدادت فيه المنافسة بين البلدان المنتجة احتداما على استقطاب رؤوس الأموال الخاصة في النشاطات النفطية، ما يدفعها إلى فتح أراضيها للمستثمرين الأجانب باعتماد إجراءات تشريعية ومؤسساتية وجبائية مغرية بغرض التحفيز. وإذ يتزامن الحدث مع الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، فإن ذلك يستوقفنا أيضا لتقييم مسيرة الاتحاد، الذي ورغم الهزات التي عرفها في السنوات الماضية، إلا أنه يبقى القوة العمالية الأولى في البلاد، فبعد أن ساهم في ثورة التحرير ثم مكافحة الإرهاب، لم تتوقف مسيرة الاتحاد عند هذا الحد، بل بقي في الصفوف الأولى في كل مناحي الحياة الوطنية. وقد حمل اختيار الرئيس الراحل هواري بومدين تاريخ تأسيس المركزية النقابية ومقرها المركزي دار الشعب بأول ماي، لإعلان تأميم المحروقات، دلالة رمزية، ذلك أن في مثل هذا التاريخ زاد لهيب الثورة التحريرية من خلال قرار العمال الجزائريين إنشاء تنظيمهم النقابي للدفاع عن حقوقهم المهنية والنضال من أجل استقلال الجزائر. وكان العمال الجزائريون رفعوا أصواتهم عاليا بتأسيس نقابتهم في 24 فيفري 1956 ليس فقط من أجل التصدي للظلم والغبن اللذين كانت الإدارة الفرنسية تمارسهما عليهم، وإنما لتدويل القضية الجزائرية وثورتها المظفرة في المحافل الدولية، وكان لأحد العمال الجزائريين النشطين في مجال الضمان الاجتماعي والبناء وهو عيسات إيدير الفضل الكبير في إنشاء أول تنظيم نقابي جزائري وكان له بذلك شرف قيادة أمانته العامة قبل أن ينال الشهادة وهو على رأس هذا التنظيم يوم 26 جويلية 1959 تحت تعذيب جنود روبيرلاكوست الوزير المفوض بالجزائر ومن دون أن يتخلى عن مطالب العمال الجزائريين في الاستقلال والحرية والعدالة. وكل الظروف التي أنشئ في خضمها الاتحاد العام للعمال الجزائريين تؤكد أن التنظيم النقابي للعمال الجزائريين قد ولد من رحم الثورة ليعيش الاستقلال مستمرا خالدا، لا يغيب عن أي مرحلة عرفتها البلاد مهما كانت طبيعة هذه المرحلة أو تلك، فكان في عهد التسيير الاشتراكي المدافع عن العمال من الإدارة والحارس الأمين على تجسيد إنجازات المرحلة الكبرى، ولعل ذلك ما جعل الرئيس هواري بومدين يقدم تنظيرا خاصا في الحكم عبر معادلة إقامة التوازن السياسي والاجتماعي بين الجيش، النقابة والجامعة. وفي مرحلة الثمانينيات، ترك الاتحاد العام للعمال الجزائريين بصماته في عملية استقلالية المؤسسات ثم مرحلة التحول نحو اقتصاد السوق بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث شكل مؤتمره الثامن في جوان 1990 منعرجا حاسما نحو تكريس استقلالية المنظمة النقابية عن أي حزب أو تنظيم أو جهة إدارية وانعكس ذلك جليا في مواقفه السياسية والاقتصادية، حيث انضم الاتحاد إلى جبهة الدفاع عن الجمهورية (لجنة إنقاد الجزائر) في خريف ,1991 ووقف ضد حل المؤسسات الاقتصادية العمومية بقيادة المرحوم عبد الحق بن حمودة 1990 -1997 . وفي إطار الزخم المتسارع للأحداث تحولت المركزية النقابية إلى لسان حال العمال الجزائريين للدفاع عن مصلحة الدولة الجزائرية، حيث لم تثنها صعاب المرحلة الانتقالية التي عرفتها البلاد منذ دخولها الأزمة السياسية والأمنية بداية التسعينيات من التخندق في صف الوطنين ولكنها كانت أيضا الحقبة العسيرة في تاريخ الاتحاد، حيث أنه لأول مرة في تاريخه واجه مشكلة تسريح العمال بسبب المتاعب المالية التي أصابت الخزينة العمومية. وقد خاض الاتحاد العام للعمال الجزائريين بقيادة عبد المجيد سيدي السعيد معركة التكيف مع التزامات الجزائر مع المؤسسات المالية الدولية وآثار تسديد المديونية الخارجية وتسريح العمال وحل المؤسسات التي فرضها برنامج صندوق النقد الدولي المتمثل في التصحيح الهيكلي والتطهير المالي. وكان الاتحاد في هذه المرحلة يتعاطى مع الأحداث انطلاقا من طبيعة المرحلة التي تميزت بعدم الاستقرار الأمني والصعوبات الاقتصادية والمالية، إلى أن اعتلى الرئيس بوتفليقة سدة الحكم سنة ,1999 حيث لعبت المركزية النقابية دورا فاعلا في تطبيق إجراءات التهدئة الأمنية والسياسية من خلال المشاركة في تطبيق قانوني الوئام المدني (99) وميثاق السلم والمصالحة (2005)، إلى جانب دعم البرامج التنموية في البلاد. ورغم الأهمية التاريخية التي تمثلها هذه الذكرى باعتبارها تشكل نموذجا لرفع التحدي إلا أنه يبقى القول أن استحضارها ما زال يتزامن ككل مرة مع اعتماد الاقتصاد الوطني على المحروقات التي تمثل أكثر من 98 بالمائة من صادرات البلاد، وقد دفع هذا الواقع برئيس الجمهورية إلى انتقاد الاستمرار في هذا النهج. وكان رئيس الجمهورية قد دعا في أكثر من مرة إلى إعداد العدة لمواجهة مرحلة ما بعد النفط، وقد ربط رئيس الجمهورية الاستقلال الحقيقي لأي أمة بقدرتها على تملك ثرواتها واستثمار طاقتها وتنويع مصادر عيشها وكذا تأمين حاجتها الأساسية، وهذا ما يتطلب عدم الاعتماد على المحروقات، حيث اعتبر الرئيس بوتفليقة أنه من غير المعقول أن يبقى اقتصادنا مرهونا بثروة واحدة هي النفط رغم أن الجزائر تزخر بثروات طبيعية وبشرية ضخمة-.