لم يكن قرار تأميم المحروقات الذي أعلنه الرئيس هواري بومدين في 24 فبراير 1971 ارتجاليا أو رد فعل على تعنت الحكومة الفرنسية لتفضيلها اللعب في الوقت الضائع ومحاولة إلباس المطلب الشرعي للحكومة الجزائرية بمراجعة السعر المرجعي للجباية البترولية المطبق على الشركات الفرنسية رداءا سياسيا. كان ذلك القرار الذي أعطى لاسترجاع السيادة الوطنية بعد حرب ضروس مضمونها الاقتصادي بمعنى الكلمة مفعوله في تغيير مجرى التاريخ مرة أخرى وتمكين الجزائر بعد أقل من سنة من استقلالها من بسط السيادة على الثروة البترولية التي تزخر بها الصحراء، والتي شكلت محورا صعبا في مفاوضات ايفيان التي أكدت فيها الجزائر بلسان الوفد المفاوض عزيمة لا تلين رفض اللعب على المفاهيم والمصطلحات متمسكة بمبدأ الوحدة الترابية الشاملة. وتحل الذكرى ال 43 لتلك القرارات المدوية غدا في وقت تواصل فيه البلاد خوض معركة البناء الوطني المتجدد بالأخص على توظيف أكثر نجاعة للموارد التي تدر بها المحروقات في معادلة التنمية الوطنية المتوازنة والشاملة، بحيث ينبغي السهر على جعل المحروقات مصدرا لبناء أسس اقتصاد بديل لها تحسبا للتحديات التي تلوح في الأفق وأبرزها توجه العالم نحو مصادر جديدة للطاقة التقليدية التي تعرف أسواقها مؤشرات تدق ناقوس الخطر في المديين المتوسط والبعيد ومن ثمة تستدعي الحيطة والمبادرة بما يحفظ التوازنات المالية للبلدان التي تعتمد مباشرة على هذا القطاع كما هو الشأن للجزائر. لقد تم كسب الرهان في تلك المرحلة بفضل الإخلاص والعزيمة التي تميز بها ذلك الجيل الذي كان يعتبر وبحق أن استكمال عناصر السيادة الوطنية يكتمل في المضمون ببسط سيادة الدولة على الثروات الباطنية وفي مقدمتها البترول والغاز، من خلال امتلاك حصة الأغلبية دون غلق الباب أمام الشركات الأجنبية التي تهتم بالاستثمار والاستغلال التجاري وفقا لقواعد الإنصاف والشفافية، وهو ما حاولت الشركات الفرنسية التي شملها التأميم قبوله مفضلة الاستمرار في مفاوضات هي اقرب للهروب غالى الأمام، إلى أن حسمت الحكومة الجزائرية الموقف معلنا الرئيس الراحل هواري بومدين القرارات التاريخية النابعة من إرادة تترجم خيارا للشعب الجزائري برمته وفي عيد تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، مما يعكس دلالات قوية لا تزال تحمل مفعولها الايجابي نحو المجموعة الوطنية إلى اليوم. وبلا شك أن تحديات الظروف الراهنة ليست نفسها تحديات تلك المرحلة، غير أن مواجهتها يتطلب التمتع بنفس تلك العزيمة ليس على صعيد الموقف الذي تجسده خيارات الدولة فقط وإنما أيضا على مستوى الأداء الاقتصادي في الحقول البترولية ومواقع الاستكشاف وكذا دواليب التسيير المالي للشركة الوطنية للمحروقات، التي تعرضت في السنوات القليلة الماضية لأوضاع كادت أن تنعكس عليها بشكل جدي بالنظر لما حصل فيها وحولها، مما أدى بالجهات المعنية لاتخاذ التدابير التي يقتضيها الآمر حماية لمكسب يرتبط مباشرة بمستقبل الأجيال، ومن ثمة الفصل بين الأفراد والمؤسسة التي لا تزال تتحمل التزاماتها تجاه الوطن، ويحظى إطاراتها وعمالها الأوفياء بالتقدير تماما كما كان أسلافهم. ويتوفر حاليا مناخ استثماري واقتصادي أكثر انفتاحا يضع الكفاءات الوطنية في قطاع المحروقات في أفضل رواق لتحقيق الأهداف التي سطرتها الدولة بما في ذلك آلية الشراكة الأجنبية التي تقوم على قاعدة تقاسم الباء والمنافع، في ظل ارتفاع وتيرة النشاطات الصناعية الأخرى التي تساعد على إدماج صناعة المحروقات ومشتقاتها في الديناميكية الصناعية التي تتميز بتحقيق خطوات ذات ثقل على صعيد استرجاع الدولة للقاعدة الصناعية وإعادة ترميم النسيج الصناعي يكون فيه قطاع المحروقات القلب النابض لانجاز الإقلاع لاقتصاد خارج المحروقات، القائم بالأساس على التنمية البشرية المولدة للقيمة المضافة.