حالة استنفار قصوى تعيشها الدوائر المغربية إثر إعلان تنظيم الرئيس إيمانويل ماكرون الفائز مؤخرا بالرئاسيات، عن ترشيح عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ليلى عيشي (من أصول جزائرية) كمرشحة باريس في الخارج عن منطقة غرب إفريقيا وشمالها . وبدأت وسائل الإعلام المغربية في شن حملة ضد عيشي المعروف عنها دعمها للقضية الصحراوية، فضلا عن إطلاقها سنة 2013 لملتقى حول الصحراء الغربية بباريس برعاية المجلس، نددت فيه انحياز فرنسا للسياسة المغربية في الصحراء والانتهاكات المتكررة للمخزن في حق أهالي المنطقة. مخاوف الإعلام المغربي من تولي ليلى عيشي هذه المقاطعة التي تضم أكبر عدد من الناخبين المغربيين ستكون بمثابة ورقة خاسرة للرباط التي لم تستسغ قرار الوافد الجديد على الإليزيه المتعلق بترشيح عضو المجلس في التشريعيات المقبلة بالدائرة التاسعة، فضلا عن احتمال توليها حقيبة وزارية في الطاقم الحكومي الجديد. عيشي لم تتوقف مرارا عن انتقاد السلطات المغربية التي تضرب اللوائح الأممية عرض الحائط وحرمان الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، معربة في جانفي 2013 عن مخاوفها من أن تؤدي هذه السياسة إلى زرع اليأس ومن تم تشجيع التطرف الذي قد يحول منطقة الصحراء إلى شمال مالي جديد. الحملة ضد المرشحة الجديدة بدأها اللوبي المغربي من فرنسا، إذ لم يتوان مكتب دائرة أوجين دي لاكروا الذي يضم ناخبين فرنسيين من أصول مغربية في وصف ترشيح عيشي بالخطأ الأخلاقي، معربين عن صدمتهم لهذا القرار كون المعنية على حد قولهم - «لا تتردد في إقامة علاقات متواطئة مع جبهة البوليزاريو والتي تهدف لزعزعة العلاقات بين فرنسا والمملكة المغربية». اللوبي المغربي متخوف من نسف مخططات أطروحة «مغربية الصحراء» كما كان متوقعا، وصفت وسائل الإعلام المغربية عضو مجلس الشيوخ ذات الأصول الجزائرية والمدافعة عن جبهة البولزاريو، في حين رد مؤيدو ليلى عيشي على الجدل المثار من قبل الدوائر المغربية بالقول، إن المرشحة عضو في مجلس الشيوخ الفرنسي وأن لها مواقف متساوية مع كافة الدول وهذا يعكس معنى الديمقراطية في نظرهم. وذكروا أن عيشي لم تتردد في انتقاد سياسات دول جارة للرباط ولدول إفريقية ولم يسبق لها أن أصدرت كلاما في حق المغرب أو شعبه أو ملكه. حملة اللوبي المغربي التي تستبق تولي عيشي المنصب، يأتي في سياق مخاوفه من نسف مخططاته ليس في فرنسا فقط التي يساوره فيها الشكوك حول مدى تجاوب الرئيس الشاب مع أطروحة مغربية الصحراء ودور باريس التقليدي في صد اللوائح الأممية المؤيدة لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره على مستوى مجلس الأمن، بل أيضا على مستوى الاتحاد الأوروبي، إذ يقوم بمناورات لكسر القرار الذي يقضي بعدم إخضاع منطقة الصحراء الغربية للاتفاقيات التجارية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية. بلاني يحذر من محاولات تحريف أحكام الاتفاق التجاري حول الصحراء يظهر ذلك في الاتهامات التي أطلقها سفير الجزائر ببروكسل عمار بلاني ضد بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والذين يعملون رفقة نظرائهم المغربيين على تحريف الأحكام المتضمنة في القرار السابق ذكره. بلاني الذي استقى تحليله من تصريحات بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي بخصوص هذا الموضوع على ضوء الزيارات السرية التي قاموا بها إلى الرباط، أشار في حوار مع مجلة «أفريك أزي» أن ذلك يبرز أن الجانبين يعملان يدا بيد لإيجاد الوسائل التقنية لتحوير قرار المحكمة الأوروبية في سياق سياسة التعتيم المعتمدة. سفير الجزائر ببروكسل الذي أشار إلى حملات وسائل الإعلام المغربية منذ أسابيع، والساعية لزعزعة قرار المحكمة، أعرب عن أسفه في حال ما إذا قرر الاتحاد الاوروبي باسم «البراغماتية المؤذية» الدوس على المبادئ والقيم التي تأسس عليها والتي يعتمد عليها في علاقاته مع بقية دول العالم. بلاني ساق في هذا الصدد مثالا عن عدم تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل فيما يتعلق بالأراضي المحتلة منذ 1967، موضحا أن ذلك يعكس بأن الاتحاد يعتمد «وضعية أخلاقية بهندسة مغايرة تتماشى والمواقف الظرفية» في حين أن ذلك لا ينطبق مع المغرب رغم أن الأمر يتعلق في كلا الحالتين بالاحتلال، غير أن سفير الجزائر أعرب عن ثقته ويقينه بانتصار الحق في النهاية. كما عبّر عن ارتياحه لنهاية الحصانة التي كان يتمتع بها المغرب عندما كان يصدر بطريقة غير شرعية موارد الصحراء الغربية، مثلما تجلى في حجز باخرة على متنها 54 طنا من الفوسفات بقيمة 5 مليون دولار موجهة لنيوزيلاندا، استخرجها المغرب من مناجم بوكراع في الأراضي الصحراوية المحتلة. الجزائر تتمسك بمفاوضات مباشرة بين المغرب والبوليزاريو الجزائر التي تؤكد ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع، دعت مرارا إلى احترام قرارات الأممالمتحدة في فض النزاع واحترام شرعية حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، كما سبق لها أن رحبت مؤخرا بقرار مجلس الأمن الدولي بشأن اللائحة 2351 حول تمديد عهدة بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء الغربية (مينورسو) حتى شهر أفريل 2018، مضيفة أن عودة الإجماع على مستوى مجلس الأمن تعد رسالة واضحة من المجموعة الدولية لصالح جهود الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة، من أجل الإسراع في بعث مسار سياسي ناجع لطالما تمسكت به الجزائر وما فتئت تدعو إليه من خلال مفاوضات بين طرفي النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو». في هذا السياق، كان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غيتريس دعا الجزائر وموريتانيا باعتبارهما دولتان عضوان ملاحظان في النزاع إلى تقديم إسهامات هامة للمسار، مع الإسراع إلى البت في مفاوضات أكثر ديناميكية وروح جديدة قصد إيجاد منفذ لهذا الصراع الذي طال أمده.