تعرف الحدائق العمومية خلال فصل الصيف إقبالا كبيرا، وتحديدا من طرف العائلات المقيمة بالعمارات التي تجد فيها متنفسا لها ولأبنائها، خاصة أنّ بعض الحدائق استفادت في الآونة الأخيرة من أشغال إعادة تهيئة، وزودت ببعض المرافق الخاصة بالأطفال، الأمر الذي جعلها تعج بالزوار وتحديدا في الفترة المسائية.."المساء" تجوّلت في بعض الحدائق الموجودة بالعاصمة، وحول ما إذا كان المواطن يتحلى بثقافة التنزه بالحدائق العمومية فكان هذا الموضوع. وجهتنا الأولى كانت حديقة "الساعة الزهرية" التي تعتبر واحدة من الحدائق الواقعة بقلب العاصمة، وتعرف إقبالا كبيرا من المقيمين بالعمارات المجاورة لها، ومن الوافدين على العاصمة يوميا، ولعل أولى الملاحظات أنها وللأسف الشديد مليئة بالأوساخ، حيث تنتشر بين زوايا الحديقة وداخل مساحاتها الخضراء بقايا الطعام وقارورات المياه والعصائر، فضلا عن بعض الألبسة القديمة المبعثرة هنا وهناك، بينما تآكل بعض من غطائها النباتي بسبب اتّخاذه مكانا للجلوس من قبل عدد من الزوار. وفي دردشة قصيرة مع سعيد، أحد عمال مصلحة المساحات الخضراء، الذي كان بصدد سقي النباتات بالحديقة، عن مدى تحلي الزوار بثقافة التواجد في الحدائق العمومية، أعرب عن انزعاجه لغياب روح المسؤولية، عند أغلب الوافدين على الحدائق، حيث أكد أن سكان العمارات الذين يتدفقون على الحديقة في الفترة المسائية، هروبا من حرّ المنازل وضيقها، يتصرفون بكل همجية اتّجاه كل ما هو أخضر بالحديقة، فالبعض منهم يتعمّد اقتلاع الأزهار التزيينية التي يتم غرسها بحجة الرغبة في غرسها في المنازل، بينما يترك الأولياء أبناءهم يدوسون على الغطاء النباتي، الأمر الذي يجعلهم يتلفون العشب الأخضر، في حين يختار البعض الآخر، وتحديدا المسنون وبعض الشباب، النوم على الأعشاب، الأمر الذي يجعل الحديقة في آخر النهار في حالة مزرية، دون الحديث عن حجم النفايات التي يخلفونها، لأن بعض الزوار يختارون تناول وجبة العشاء في الحدائق، غير أنّهم لا يبالون بها يخلفونه من منطلق أن هنالك من ينظف الحديقة. من بين التصرفات التي تعكس غياب ثقافة التواجد بالحدائق العمومية، حسب عامل نظافة كان بصدد رفع بعض المخلفات؛ معاملة وسلوك بعض المواطنين، وتحديدا المسنين الذين يقصدون الحديقة بعد صلاة العصر للعب "الدومينو"، لهذا الغرض يتّخذون من حاويات النفايات الصغيرة -التي عادة ما تعلّق بالأشجار- مقاعد وطاولات، يجتمعون حولها، وبعد الانتهاء من اللعب، يتركون النفايات التي خلّفوها على حالها، الأمر الذي شجّع على رمي مخلّفات الطعام على الأرض، وهو ما "وزاد من معاناتنا" يقول محدثنا، ويضيف"إن حاولنا إبداء النصيحة ندخل في شجارات تنتهي بعبارة أنّ الحديقة ملك للجميع ولهم الحق في التصرف بحرية"، مشيرا إلى أنّ ما فاقم المشكل غياب الحراس ببعض الحدائق. حديقة "الحمام".. للنوم والمشردين فقط وجهتنا الثانية، كانت حديقة "الحمام" المجاورة للحديقة الزهرية، التي تبدو في حالة مزرية، فإلى جانب النفايات، يختارها أغلب الزوار للنوم بسبب وفرة الظلال بها، الأمر الذي جعل وجهها الأخضر يكاد يختفي بفعل الدهس عليه والنوم. وحسب بعض الزوار، فإنّ التواجد المكثف للمتشردين جعلهم يعزفون عن الجلوس فيها، رغم أنها تحتوي على عدد من الأشجار، يجعلها توفر ظلالا وافرة طوال اليوم، بينما أشارت سيدة كانت رفقة طفلها إلى أنه قل ما تجلس بهذه الحديقة، لقلة المرافق فيها كالمقاعد، حيث يجلس الوافدون إليها على الأرصفة، فضلا عن انتشار فضلات الطعام بها، وكأن عمال النظافة لا يزورونها مطلقا، في حين أشار مواطن آخر إلى أن أكثر ما يزعجه عند تواجده بمثل هذه الحدائق هو مرافقة الشباب للكلاب التي، إلى جانب كونها غير مربوطة، فإنها تخلف فضلاتها في كل مكان، الأمر الذي يعطي منظرا مزعجا للحديقة ورائحة كريهة. ..حديقة "صوفيا" نموذجا وإذا كانت ثقافة التنزه بالحدائق العمومية تكاد تكون غائبة بحديقتي "الساعة الزهرية" و«الحمام"، فإنّ حديقة "صوفيا"، حسب شهادة بعض المواطنين، أصبحت بعد أن تمت تهيئتها وتكفّلت بها مصالح البلدية من حيث التنظيم وزوّدتها ببعض المرافق الخاصة بالأطفال وبمراحيض، وتم تأمينها ببعض الحراس الذين يحرصون على إبقائها آمنة ونظيفة، وجهة عدد كبير من الزوّار لأخذ قسط من الراحة والتمتّع بجمالها، ولعلّ أكثر ما لقي ترحيبهم، حسب الأصداء التي رصدتها "المساء"، هو ربط الحديقة ببعض الإذاعات التي جعلتها مفعمة بالحياة، وأكّدت مواطنة كانت رفقة أطفالها الصغار أنّها تمنع أطفالها من التواجد داخل المساحات الخضراء وتمنعهم من إلقاء النفايات على الأرض، لأن الحديقة جميلة وتستحق أن نبقيها كما دخلناها".