يعيش قصر الباي الواقع بقلب مدينة وهران، آخر أيامه بعد تعرّضه لانهيارات كثيرة ومتواصلة، أدّت إلى طمس عدد كبير من الشواهد التاريخية المنتشرة على طول وعرض القصر القديم الذي يتهاوى أمام الصمت الرهيب لمختلف المؤسسات والهيئات المختصة بحماية التراث ومصالح ولاية وهران بالرغم من وجود اتفاقية جزائرية تركية لترميم القصر، التي كان منتظرا أن تشرف عليها شركة تركية مختصة منذ 6 أشهر. وضعية أقل ما يقال عنها كارثية، تلك التي يعرفها قصر الباي أو ما يُعرف بقصر البايلك بمدينة وهران جراء انهيارات داخل القصر بعد سنوات من التهميش والسرقات التي طالت القصر؛ في صمت غير مفهوم للسلطات المكلفة بحماية التراث الوطني، في وقت استفاد القصر من حقه في التصنيف كمعلم تاريخي وطني محمي تحت ترقيم 31-010، وبحماية قانونية من المرسوم 04-89 المتعلق بحماية التراث الثقافي. ورغم حقوق القصر القانونية في الحماية والصيانة والحفاظ عليه، وفق ما يقتضيه القانون، بقي عرضة للتخريب والاندثار طيلة سنوات، خاصة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن احتلته عدة عائلات، وحوّلت جزءا كبيرا منه إلى شقق سكنية بعيدا عن رقابة السلطات التي بقيت تنظر إلى الأمر بدون تدخّل طيلة 9 سنوات كاملة إلى غاية شهر ماي من السنة الجارية 2017، حيث تدخّل الوالي السابق عبد الغاني زعلان وقام بترحيل العائلات بعد عقد اتفاقية مع الشركة التركية «تورسيالي»، التي تكفّلت بترميم المعلم التاريخي بالمجان؛ كمبادرة منها إلى جانب مسجد الباشا، الذي لايزال هو الآخر عرضة للاندثار والانهيار. أطلال تؤرّخ للتهميش واللامبالاة للوقوف على وضعية قصر الباي قامت «المساء» بجولة تفقدية بهذا المعلم الواقع بقلب حي سيدي الهواري القديم الذي لايزال محاطا بعشرات المعالم التاريخية التي تعاني التهميش، فيما اختفت عشرات المعالم الأخرى بالمنطقة في غياب السلطات. ولدخول قصر الباي يجب على كلّ زائر المرور عبر بوابته القديمة التي كانت مستغلة، كمساكن من طرف عدّة عائلات، حيث تضمّ البوابة على جانبيها منازل قديمة كانت تُستغل كمساكن لحراس القصر القديم، فيما نمت أشجار أمام المدخل، وساهمت في ظهور تشقّقات عبر كامل الجدار الخارجي للقصر. ما زاد من درجة الخطورة وجود حظيرة خاصة بقسم الأشغال الجديدة والصيانة التابع لمندوبية سيدي الهواري ببلدية وهران، تتوافد عليها يوميا الشاحنات، التي ساهم تحرّكها اليومي في التأثير على وضعية الجدار القديم، فيما قام أحد الخواص بالاستثمار بجوار الجدار، بإقامة مشروع سكنات ترقوية على بعد 30 مترا فقط من الجدار الخارجي للقصر، ما ساهم هو الآخر في ظهور تشقّقات كبيرة على الجدار بالرغم من أنّ القانون يمنع ذلك. وجاء في أحد فصوله ما يلي: «تخضع كلّ أشغال الحفظ والترميم والتصليح والتغيير والتهيئة المراد القيام بها على المعالم التاريخية المقترحة للتصنيف أو المصنفة أو على العقارات الموجودة في المنطقة المحمية، تخضع لترخيص مسبق من مصالح الوزارة المكلفة بالثقافة»؛ ما يعني أنّ مواد القانون لم تُحترم في إقامة المشروع السكني. بدخول القصر يظهر للعيان حجم الضرر الذي طال كلّ أرجاء القصر؛ من خلال مشاهدة أكوام من النفايات وبقايا قارورات الخمر المرمية في كلّ مكان، فضلا عن الأشواك والشجيرات المنتشرة بكامل المنطقة، فيما لم تسلم الجدران من الاعتداءات التي كانت طالتها منذ سنوات وتظهر عليها آثار الحفر أو اقتلاع الحجارة. هيكل فندق «شاطوناف».. الخطر الداهم يقابل زائر المعلم التاريخي قصر الباي هيكل فندق شاطوناف، الذي لايزال شامخا فوق أرضية القصر، ولا يبعد سوى ب 20 مترا عن البوابة الداخلية للمعلم، فيما يقع جزء كبير منه داخل المنطقة المحمية والمصنّفة، الأمر الذي يطرح التساؤل بخصوص الكيفية التي سيتمّ بها ترميم هذا الهيكل الضخم المكوّن من 23 طابقا بعد أن استفادت منه بلدية وهران، ليحوًّل إلى مقر لمصالحها الإدارية، فضلا عن الحركة التي سترافق تسليم المشروع بعد استكمال ترميمه، علما أنّ الدراسة التقنية الخاصة بمشروع هيكل شاطوناف، قد اقترحت إنجاز ممر علوي للوصول إلى داخل الهيكل لتفادي فتح بوابة من الجهة الشرقية للقصر، على اعتبار أنّ القانون يمنع ذلك، حيث رفضت وزارة الثقافة المساس بجدار القصر، فيما حذّر مهتمون بقصر الباي بولاية وهران، من مغبة إطلاق مشروع ترميم هيكل شاطوناف أمام الوضعية الحالية للمعلم التاريخي الذي قد ينهار في أي لحظة. انهيار واختفاء وما بقي يواجه الزوال داخل قصر الباي، وقفت «المساء» على مشهد صاعق للوضعية التي بلغتها «دار البايلك» التي انهارت أجزاء كبيرة من أسقفها الأثرية، التي تضمّ فسيفساء مختلفة، كتبت عليها عبارات وآيات قرآنية، وبعض العبارات التي قام نابليون الثالث بتحريفها وكتابة اسمه عليها. وقد قام المسؤولون بمحاولة تفادي سقوط كامل السقف بوضع أعمدة خشبية لدعمه، غير أن ذلك لم يمنع من سقوط أجزاء كبيرة منه، فيما تحطّمت معظم أرضية «دار البايلك» وانتشرت بها الحفر، كما تعرّضت قاعة الديوان للتشويه بسبب الانهيارات، وهو ما طال الرواق الكبير للقصر الممتد على طول «دار البايلك»، إلى جانب رواق باحة القصر الذي تحطّمت أعمدته بالكامل، غير أنّها لا تزال قائمة، بفضل أعمدة خشبية وضعت منذ سنوات لمنع سقوطها على الأرض. أما في الجهة الخلفية للدار، فقد تعرضت دار المفضلة إلى انهيارات جزئية، وهي القاعة المطلة على حظيرة بلدية وهران. فيما تشوّهت كامل المعالم الأخرى الواقعة خارج المنطقة من قصور وقبب تاريخية، ولم يعر لها أي اهتمام وبقيت لسنوات عرضة للعوامل الطبيعية والتخريب. مشاريع ترميم لم تنطلق وتساؤلات... عرف قصر الباي منذ سنوات عدة مشاريع للترميم، كانت تتوقّف في كل مرة دون أن تتجسد على أرض الواقع. وقد سبق للمعلم التاريخي أن استفاد منذ أكثر من 20 سنة من عملية ترميم غير شاملة، وهو المشروع الذي لم يكتمل، ليتم سنة 2013 إطلاق دراسة تقنية أخرى لترميم القصر، غير أنّه لم يتم الانطلاق في المشروع الذي خصص له وقتها مبلغ 5,8 ملايير سنتيم، ليتم مؤخرا بتاريخ 14 أفريل 2017 عقد اتفاقية بين الحكومة الجزائرية، ممثلة في وزارة الثقافة والحكومة التركية، ومساهمة من شركة «تورسيال» الناشطة في مجال صناعة الحديد والصلب، التي تمّ على ضوئها حصول الشركة على رخصة بترميم القصر وكذا مسجد الباشا، على أن تنطلق الأشغال بعد أسبوعين من الإمضاء على الاتفاقية، لكن بعد مرور 6 أشهر كاملة لم ينطلق المشروع. يشار إلى أنّ قصر الباي مقر حاكم منطقة الغرب الجزائري إبان الحكم العثماني، المعروف بتسمية «بايلك» الغرب، ويقع القصر بمدينة سيدي الهواري قرب جبل مرجاجو، ويعود تاريخ بنائه إلى نهاية القرن الثامن عشر على يد محمد باي الكبير بن عثمان، ويتربّع قصر الباي بوهران على مساحة قدرها 5.5 هكتارات، وهو مصنّف ضمن التراث الوطني.