يرى السيد إدريس فاضلي استاذ في الحقوق أن التعديل الجزئي للدستور الذي مس المادة 74 المتعلقة بعهدة رئيس الجمهورية أزال تناقضا خطيرا يمس بسيادة الشعب كمالك للسلطة في اختيار من يحكمه، باعتبار أن هذه السيادة نص دستوري مكرس في قوانين الدولة، وهي فكرة ديمقراطية ارتكزت عليها العديد من الدساتير في البلدان المتقدمة ولا يمكن تحديد مدة الحكم بعهدتين فقط اذا أراد الشعب الابقاء على هذا الرئيس. وأوضح الأستاذ فاضلي في لقاء جمعه ب "المساء" أمس ان فقهاء القانون الدستوري يعرفون منذ القدم بأن الدستور هو "القانون الذي يهدف الى تحقيق المصلحة العامة للشعب" وبالتالي يمكن تعديله وفق ما يخدم هذا الشعب، وباعتبار أن الشعب مصدر السلطة وله الحق في اختيار من يحكمه "فمن غير المعقول أن نحدد مدة حكم الرئيس بعهدتين فقط، اذا كان الشعب يريد بقاءه" وبالتالي لابد من السماح للرئيس بالترشح لعهدة أخرى والشعب حر في اعادة انتخابه من عدمها، من منطلق أن الشعب حر في منح السلطة عن طريق الانتخاب أو أخذها عن طريق الامتناع عن التصويت مثلما قال المفكر السياسي جون جاك روسو في نظرية العقد الاجتماعي. وهو السياق الذي اعتبر من خلاله المتحدث بأن تعديل المادة 74 من الدستور كرست ارادة الشعب وحقه في اختيار من يحكمه. وذكر الأستاذ فاضلي أن دستور 1996 تأخر تعديله لأنه لم يعد صالحا، ان صح التعبير، في الوقت الراهن ويعود سبب هذا التأخر، حسبه، الى الظروف التي عاشتها الجزائر في التسعينيات والتي حتمت على رئيس الجمهورية بعد وصوله الي السلطة اعطاء الأولوية لمواضيع أخرى من أجل تحقيق السلم وإرجاع سمعة وهيبة الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية، علما أن الرئيس بوتفليقة في سنة 1999 كان قد صرح بأن دستور سنة 1996 بحاجة للمراجعة لمعرفة نظام الحكم في الجزائر، غير أن هذا التعديل لم يتم تحقيقه في السنوات الأولى لرئاسته كون برامجه الرامية لتحقيق السلم والأمن تطلبت وقتا طويلا لم تكفها عهدة واحدة. وبعبارة غير مباشرة، رد الأستاذ فاضلي على بعض الأطراف التي علقت على تعديل الدستور بلغة القانون، مشيرا الى أن الدستور ليس قرآنا كريما بل يمكن تغييره في أي وقت خدمة لمصلحة الشعب والوطن، وبالتالي لابد من مواكبة الأوضاع، كما أن المشرع الذي يصوغ دستورا في وقت معين لا يمكنه التنبؤ بالتحولات التي سوف تليه مستقبلا. وفي معرض حديثه عن تشريع دستور سنة 1996 قال المتحدث أنه تم وضعه بناء على الظروف التي كانت سائدة في البلاد آنذاك »حيث حاولت الأطراف التي وضعته تصحيح الصورة التي كان ينظر بها الغرب للجزائر وكأنها بلد غير ديمقراطي، وهو ما جعل بعض الأطراف تلجأ الى تحديد مدة تولي رئيس الجمهورية الحكم بعهدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة لجعل الرأي العام الدولي يقتنع بوجود ديمقراطية". وأوضح المتحدث في هذا الصدد أن الديمقراطية الحقيقية هي التي تمكن كل واحد من الترشح للرئاسيات لأكثر من مرتين في حين يبقى الشعب السيد في اختيار من يراه مناسبا ليحكمه، علما أن الدساتير التي عرفتها الجزائر قبل سنة 1996 لم تكن تحدد مدة حكم الرئيس بعهدتين. وثمّن المتحدث التعديل الجزئي للدستور الذي أبقى للبرلمان دوره حيث يحق للنواب رفض برنامج الوزير الأول وتعديله، علما أن رئيس الجمهورية يستطيع إقالة الوزير الأول في حال ما اذا رفض برنامجه مرتين من قبل البرلمان. اما فيما يخص الشق المتعلق بحماية رموز الثورة فبات من الضروري اللجوء الى سن قوانين تحمي هذه الرموز، يضيف محدثنا لأننا وصلنا الى مرحلة فقد فيها الجيل الحالي قيم الثورة" بسبب نقص الوعي السياسي حيث لم يعد الحديث عن تاريخ الثورة الا في المناسبات فقط" وهو ما يجعلنا اليوم مجبرين على إيقاظ ضمائر هؤلاء الشباب وفاء لمبادئ 1 نوفمبر 1954 . وفي موضوع آخر خاص بالتعديل الذي مس الدستور في شقه المتعلق بتعزيز مكانة المرأة في المجالس المنتخبة، قال السيد فاضلي ان هذا النص لايزال مبهما ويحتاج الى توضيح أكثر لأن التساؤل يبقى مطروحا حول الصيغة التي يتم من خلالها ترتيب المرأة في القوائم الانتخابية، أما عن طريق الحصص او النسب او بالمناصفة. وبالرغم من هذه التعديلات فلايزال الدستور، حسب محدثنا، بحاجة الى مراجعة بعض مواده خاصة ما تعلق بمبدأ الفصل بين السلطات، ومنح السلطة القضائية صلاحيات اوسع، بالاضافة الى تحديد نوع نظام الحكم وما اذا كان نظاما برلمانيا اورئاسيا يقول السيد فاضلي، الذي يفضل النظام الرئاسي في حين يقترح الجمع بين النظامين للوصول الى نظام حكم رئاسي يأخذ من خصائص النظام به الرئاسي بإعطاء صلاحيات أكبر للرئيس مع الحفاظ على دور البرلمان.