أجمع المتدخلون في منتدى النقاش حول مسألة تعديل الدستور الذي جمع أمس رجال قانون وبرلمانيين وممثلي المجتمع المدني بمقر جريدة "المجاهد" على أن التغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري على مختلف الأصعدة تستدعي مواكبتها بتعديلات على وثيقة دستور 1996 "الذي تم وضعه في ظروف خاصة لا سيما على الصعيد الأمني، واشتمل على عدة تناقضات وتداخلات مع القوانين الجديدة التي تبنتها الجزائر في السنوات الأخيرة" · وأكد في هذا الإطار السيد مروان عزي رئيس لجنة تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أن الدستور مثله مثل القوانين الأخرى قابل للتعديل والتغيير، لأنه ليس قرآنا منزلا، مذكرا بأن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سبق أن أثار التناقضات التي تشملها نصوصه عندما تولى مقاليد الحكم في عهدته الأولى ثم خلال خطابه في 4 جويلية 2006، حيث شدد على ضرورة توضيح التوجهات الكبرى للأمة من خلال مراجعة الدستور· وأوضح المحامي أن التناقضات المشتملة في دستور 1996 الذي تم وضعه في ظرف استثنائي على المستوى الامني حيث كانت البلاد تمر بمرحلة صعبة وحساسة بفعل الإرهاب الأعمى، يمكن ضبطها في العديد من المواد، على غرار المادة 77 التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية والمتبوعة بالمادة 78 التي تحدد مجالات تدخل رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية، مشيرا إلى التداخل الواضح الذي تتسبب فيه المادتان بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة· بعدها أشار السيد عزي إلى المادة 80 التي تنص على تقديم برنامج الرئيس أمام البرلمان بغرفتيه، وذلك تكريسا للرقابة البرلمانية، غير أن ذلك يمثل حسب المتحدث تناقضا آخر بين طبيعة النظام المعتمد في الدولة والمتراوح بين النظام الرئاسي أحيانا والنظام البرلماني أحيانا أخرى· ومن جانب آخر تنص المادة 36 من الدستور على أنه لا مساس بحرية المعتقدات، لكن وبفعل تنامي ظاهرة التنصير في السنوات الأخيرة اضطرت الحكومة في 2006 إلى إصدار قانون يضبط ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وهو ما يشكل تضاربا آخر بين الدستور والقوانين الجديدة التي تبنتها الجزائر في إطار مواكبة التغيرات والتطورات الحاصلة على المستويين الوطني والدولي، على حد تعبير السيد عزي، الذي لخص المقترحات التي سيتقدم بها المنتدى للسلطات الوصية في بعض النقاط الأساسية التي تتضمن طبيعة النظام السياسي الواجب إتباعه، الفصل الواضح بين السلطات بما يجنب التداخل بينها، توضيح طبيعة السلطتين التشريعية والقضائية، تعزيز حرية التعبير ومكانة القاضي واستقلالية القضاء مع تعزيز دور الدفاع أو المحاماة· كما يقترح المنتدى أيضا إدراج ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وتمجيد شهداء الواجب إلى جانب شهداء الثورة في ديباجة وثيقة الدستور· أما بخصوص كيفية تمرير مشروع التعديل، فبرأي المتحدث يمكن تحديدها اعتبارا من تقدير العملية مقارنة بالمساس بالحريات العامة، "فإذا كانت تمس بهذه الحريات يجب عرضها للاستفتاء الشعبي، أما إذا لم تكن تتعارض مع الحريات فيكفي عرضها على البرلمان بغرفتيه، كما تمت الأمور بالنسبة لدسترة الأمازيغية" · ومن جانبه، دعا النائب عن حزب العمال السيد رمضان تعزيبت إلى عدم الخجل أو الخوف من الحديث عن تعديل الدستور وطرح المسألة للنقاش العام، على اعتبار أن هذه الأخيرة مرتبطة بالسيادة الوطنية، محذرا في المقابل من عواقب التدخل الأجنبي عندما يتعلق الأمر بالتوجهات والخيارات الإستراتيجية للأمة· وبعد أن تساءل عن الأسباب الكامنة وراء الضجة الكبيرة المثارة حول قضية تعديل الدستور، "والتي بلغت حد إقامة علاقة وهمية بين الإضرابات التي دعت إليها النقابات المستقلة ومناشدة بعض المنظمات السياسية والمدنية لرئيس الجمهورية بالترشح لعهدة ثالثة، وذلك لإيهام الرأي العام الدولي أن هناك معارضة اجتماعية لعهدة جديدة للرئيس"، أشار السيد تعزيبت، إلى مثال أزمة الرئاسة الحاصلة اليوم في لبنان بفعل التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لهذا البلد، مذكرا بموقف حزب العمال حول قضية تعديل الدستور، والذي تقدم باقتراحاته في مذكرة خاصة تم رفعها إلى السلطات العليا في البلاد· وفي المقابل طالب ممثل حزب العمال بضرورة رفع مستوى النقاش حول تعديل الدستور وتوسيع نطاقه إلى مختلف المستويات، وتفادي تقزيمه في الصور التلفزيونية للجمعيات التي تطالب الرئيس بعهدة ثالثة، مشددا من جانب آخر على ضرورة أن يحدد التعديل أيضا مسألة التداول على السلطة حتى نجتنب فكرة التداول من أجل التداول، التي أصبحت حسبه "مكرسة في العديد من الدول وحتى المتقدمة منها" ·على صعيد آخر أبرز النقاش الذي دار حول تعديل الدستور، ضرورة ترقية دور المجتمع المدني وتفعيل آداء المعارضة السياسية، حتى تتعزز الممارسة الديمقراطية الحقة في البلادوتتحدد مهام كل جهة من الجهات الفاعلة في المجتمع·